نجوى أبي حيدر
حجبت المتغيرات الدولية الدرامية المتسارعة من فرنسا الى الولايات المتحدة الاميركية والتقلبات المفاجئة التي فعلت فعلها على المستوى السياسي الانظار عن الملف اللبناني الرئاسي لتنحسر حصرا بالهاجس الامني وضرورة منع توسع الحرب من جبهة الجنوب الحدودية مع اسرائيل الى الداخل، واستتباعا نشوب حرب اقليمية واسعة قد تشعل المنطقة برمتها. ووسط الاستعصاء المتحكم بالاستحقاق داخليا، تبدو الدول المتابعة للشأن اللبناني منكفئة او تراهن على تطورات الخارج لاحداث خرق ما، حتى ان اللبنانيين انفسهم سئموا متابعة الوضع هذا وقد لمسوا بعد عام وعشرة اشهر ان لا أمل محلياً بفتح ابواب قصر بعبدا وتحولت اهتماماتهم الى مكان آخر بين أمن الجنوب ومفاوضات غزة والانتخابات الاميركية .
وتحت عنوان “حطّوا ايدكم معنا في لبنان لنحل الازمة”، تطلب فرنسا من السعودية المساعدة على تسهيل انتخاب رئيس، بحسب ما تقول مصادر ديبلوماسية غربية لـ”المركزية”، ذلك ان باريس تدرك ان غداة تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي وتياره المستقبلي في لبنان، اختلت موازين القوى لا سيما بعدما افرزت الانتخابات النيابية مجلساً لا ارجحية فيه لفريق على آخر، وتاليا لم يعد ممكناً انتخاب رئيس جمهورية الا بالتوافق او بتوحيد كلمة السنّة، شأن يمكن للمملكة العربية السعودية ان تتولاه. غير ان المصادر تعتبر ان توقيت الطلب الفرنسي غير موفق باعتبار ان المملكة لم تتدخل بالقدر اللازم في زمن السلم، اي قبل عملية طوفان الاقصى، فكيف الحال بعدها؟ لكنّ الرئيس ايمانويل ماكرون الخارج من معركة “كسر عضم” مع اليمين المتطرف عازم على رغم انشغالاته الداخلية على استمرار السعي ، خصوصا ان نتائج الانتخابات الفرنسية لا تؤثر على السياسة الخارجية للبلاد، لان هذه السياسة يرسمها الاليزيه لا وزارة الخارجية التي تنفذ سياسة الرئيس. وما دام ماكرون باق في الاليزيه لاتغيير في السياسة الخارجية.
صحيح ان الاولوية راهنا امنية، وفرنسا في حال تأهب كامل مع شركائها، وخاصة الشريك الأميركي، لتجنب التصعيد بين إسرائيل وحزب الله على طول الخط الأزرق، وترسل رسائل ضبط النفس إلى الأطراف المعنية، وتتهيأ في مجلس الأمن للتجديد لقوات اليونيفل التي تشارك في عدادها على النحو المحدد في القرار 1701، غير انها تواصل السعي، ولو بنسبة اقل، على خط فك العقدة الرئاسية، اذ تعتبر ان من غير الجائز استمرار الشغور في سدة الرئاسة الاولى، فيما التقلبات الاقليمية تشي باقتراب المنطقة من مرحلة تسويات واقتراب “اليوم التالي” بما يفترض من جلوس الى طاولة المفاوضات لأتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية لا يمكن ان يبتها فريق سياسي واحد في لبنان، انما تفترض وجود رئيس جمهورية يتحمل مسؤولياته ويقسم يمين الحفاظ على سيادة الوطن.
إن لم ينتخب رئيس حتى ذلك الحين، تختم المصادر، سيدفع لبنان ثمن التسويات نتيجة غياب صوته عن المطالبة بحقه، فيما يُحّصِّل من يتحكم بقراره السيادي راهنا ومن يفتح ويغلق الجبهات دون استشارة الدولة او الشعب حقوق مشغليّه الاقليميين، فتقبع الدولة اللبنانية الى ما شاء الله تحت سطوة هؤلاء وينتهي دور لبنان التنوع والرسالة الذي تعتبر فرنسا نفسها عرابته دائما وابداً.