بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
لم يبقَ الكثير من الوقت ولا من الناخبين الذين لم يحسموا خيارهم في انتخابات الرئاسة الأميركية الشهر المقبل، لكنّ هناك بعض الأحداث المتوقّعة التي يمكن أن يكون لها تأثير على سلوكهم الانتخابي، وأهمّها أحداث الشرق الأوسط.
دخل السباق الرئاسي الأميركي أسابيعه الأخيرة، ولا يزال هناك نسب قليلة جداً من الناخبين المسجّلين لم تحسم بعد من ستعطيه صوتها. وهي نسبة لا تتعدّى اثنين في المئة وربّما أقلّ في بعض الولايات المتأرجحة، التي قد تكون حاسمة في نتائج الانتخاب.
منافسة شديدة
معظم استطلاعات الرأي العام، وتحديداً في الولايات الحاسمة والمتأرجحة، تشير إلى منافسة شديدة وتعادل في النسب، وهو ما يجعل من الصعب التكهّن بمن سيفوز فيها حتى يوم الانتخاب. وحين تكون الانتخابات متقاربة إلى هذه الدرجة فإنّ أيّ شيء مهما كانت نسبة تأثيره ضئيلة سينعكس على نتيجتها. لذلك أصبحت حملات المرشّحين أخيراً مركّزة ومحدّدة لاستمالة مجموعات عرقية وتحفيز القواعد الشعبية التقليدية على المشاركة. فعلى سبيل المثال ستكون مشاركة كثيفة من السود والنساء لمصلحة هاريس. وفي المقابل مشاركة الناخب الأبيض من الرجال في المناطق الريفية، وتحديداً من هؤلاء الذين لا يملكون شهادات جامعية ومن العمّال الغاضبين من انتقال فرص العمل إلى المهاجرين غير الشرعيين أو حتى المهاجرين بشكل عامّ، ستصبّ في مصلحة ترامب.
هناك توجّه لبعض التيارات التقدّمية واليسارية والداعين لوقف الحرب في غزة إلى مقاطعة الانتخابات حتى يعطوا درساً للمرشّحين في المستقبل بأنّ هناك كلفة سياسية لمن يتجاهل مطالبهم ويستمرّ بدعمه المطلق لاسرائيل على الرغم من معاناة المدنيين الكبرى في غزة. حملة المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس تدرك أهمّية الصوت العربي والتقدّمي الرافض لاستمرار الحرب في غزة وغضب هؤلاء من إدارة بايدن.
خسارة هاريس بولاية ميشيغان حيث للصوت العربي والمؤيّد للفلسطينيين تأثير وازن في هذه الانتخابات، ستقضي على آمالها في الوصول إلى البيت الأبيض. تعتبر ولاية ميشيغان من ولايات “الحائط الأزرق” إلى جانب بنسلفانيا وويسكنسن التي تعتبر من الحصون الديمقراطية، ولا أمل لها أن تفوز إذا لم تفز فيهم جميعاً. لقد حاولت هاريس أن تتبنّى موقفاً متمايزاً عن إدارة بايدن حتى إنّها أعلنت أخيراً أنّها لن تكون امتداداً لإدارة بايدن على الرغم من أنّها نائبته وجزء من إدارته، لكنّها لم تحدّد أيّ السياسات التي ستسعى إلى تغييرها أو تعديلها. مواقف هاريس يبدو أنّها غير كافية حتى الآن لإقناع الناخبين الغاضبين. من المؤكّد أنّ هؤلاء لن يقترعوا لترامب، لكنّ مجرّد مقاطعتهم للانتخابات سيكون لها تأثير كبير على حظوظ هاريس.
الجمهوريّون المتردّدون
نسبة لا بأس بها من الناخبين غير المقرّرين هي من الجمهوريين الذين يعارضون الرئيس السابق دونالد ترامب واقترعوا للرئيس جو بايدن في الانتخابات الأخيرة. الناخب المستقلّ أو غير المقرّر حتى اللحظة هو الناخب المهتمّ بالقضايا ويتابع موقف المرشّحين منها. لذلك إقدام إسرائيل على ضرب إيران ردّاً على الهجمات بالصواريخ البالستية سيكون له تأثير في حال أدّت هذه الضربة إلى ردّ فعل إيراني عنيف يؤدّي إلى اندلاع حرب إقليمية ومواجهة شاملة بين إيران وإسرائيل. من شأن ذلك أن يضيف إلى سلسلة إخفاقات إدارة بايدن التي أعلنت منذ اليوم الأوّل أنّها تسعى إلى احتواء توسّع الحرب. واضح أنّ نتنياهو وعد بايدن بأن لا يقدم على أيّ عمل قد يؤثّر على المصالح الأميركية، وطبعاً الانتخابات الرئاسية، قبل موافقة البيت الأبيض.
في المقابل تعهّد بايدن بالاستمرار بدعم إسرائيل، وأمر بإرسال منظومة “ثاد” الصاروخية الدفاعية المتطوّرة مع جنود أميركيين لتشغيلها على أرض إسرائيل. بايدن أعلن أنّه يعرف أين ومتى ستقوم إسرائيل بضرب إيران. اندلاع حرب واسعة في الشرق الأوسط قبل موعد الانتخابات سيؤثّر على الناخب الجمهوري المتردّد الذي تهمّه سمعة وهيبة الولايات المتحدة. الناخب الجمهوري تقليدياً يحبّذ المرشّح القويّ، الذي يحافظ على سمعة الولايات المتحدة، ولذلك الاستمرار بتدهور سمعة الولايات المتحدة وهيبتها في العالم قد يدفع هؤلاء للابتعاد عن تأييد إدارة ديمقراطية جديدة، وبالتالي الامتناع عن المشاركة في الانتخابات على الرغم من ازدرائهم لترامب. وسيكون لذلك تأثير كبير على نتائج الانتخابات.
العملية العسكرية الفاشلة في عهد الرئيس السابق جيمي كارتر لإنقاذ الرهائن الأميركيين في إيران كانت من الأسباب التي أدّت إلى السقوط الكبير لكارتر في مواجهة رونالد ريغان لأنّ هيبة الولايات المتحدة تضرّرت بشكل كبير. إذا قرّر نتنياهو ضرب إيران قبل الانتخابات أو بعدها فهذا يعني أنّ إسرائيل تأخذ بعين الاعتبار الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي تتدخّل بشكل غير مباشر في هذه الانتخابات. ترامب الذي يصعب التكهّن بردّات فعله يراقب عن كثب. وأعلن أنّ نتنياهو سيستمع له دائماً في حال فوزه، في إشارة إلى ضعف بايدن وعدم قدرته على الضغط على إسرائيل ونتنياهو بشكل خاصّ. إذا تأكّد ترامب من أنّ نتنياهو وعد بايدن بعدم ضرب إيران قبل الانتخابات لعدم التأثير على حظوظ هاريس فسيصبّ جام غضبه عليه كما فعل سابقاً حين هنّأ بايدن على فوزه في الانتخابات عام 2020. إنّها انتخابات “كلّ شيء وارد فيها” حتى الساعات الأخيرة.
موفق حرب