بقلم خالد البواب
«اساس ميديا»
منذ سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، وجدت إيران نفسها أمام تحدّيات كبرى. كان التحدّي الأبرز هو النقاش الذي فُتح حول مستقبل “الثورة الإسلامية” والتحضير للشخصية التي يفترض أن تخلف مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي. قبيل وفاته كان رئيسي أحد أبرز المرشّحين. أمّا بعدها فتركّز النقاش على احتمال تشكيل “مجلس مرشديّ“. انقسم الإيرانيون بين توجّهين، الأوّل اعتبر أنّه لا بدّ من سلوك نهج مغاير مع الغرب للحفاظ على النظام، وبعضهم الآخر بقي عند رؤيته التقليدية حول التشدّد لصدّ التحوّلات ومواجهة الضغوط، وهو كالعادة الخلاف التاريخي بين المحافظين والإصلاحيين… فأين تقف إيران اليوم من هذا الانقسام بعد كلّ هذه التطوّرات في المنطقة؟ وهل تغيّر ضربة إسرائيل “سلوكها” أو “نظامها”؟
انقلبت أحوال إيران في المنطقة منذ انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية. كان انتخابه محطّة تجديدية بالنسبة إلى الإيرانيين كشعب ونظام. إنّها خطوة أرادت بها طهران وبغطاء من المرشد تقديم نَفَسٍ انفتاحيّ على الغرب، خصوصاً باستعادة محمد جواد ظريف لدوره وبتعيين عباس عراقتشي وزيراً للخارجية. أزعج هذا المسار الكثير من المحافظين الإيرانيين، ولا سيما الحرس الثوري الذي أراد مواصلة التشدّد، فهم يعتبرون أنّ أيّ تراخٍ سيولّد اهتزازات كثيرة. استمرّ التنازع إلى أن حسم الإسرائيليون الوجهة، وهي المضيّ قدماً في مواجهة الإيرانيين وضرب مشروعهم وتقويضه في المنطقة، خصوصاً مع التصعيد العسكري في لبنان الذي تجلّى باغتيال الأمين العامّ للحزب.
أيقن الإيرانيون حينها بعد اغتيال نصرالله، ورئيس وحدة الأمن الوقائي نبيل قاووق، ونجاح اغتيال وريثه هاشم صفي الدين، أنّ ما يجري هو تمهيد لانتقال إسرائيل إلى مواجهة إيران بشكل مباشر. وذلك لا يتحقّق إلا من خلال تدمير القدرات العسكرية للحزب، خصوصاً الصواريخ الدقيقة وضرب قيادته العسكرية والأمنيّة لمنع الحزب من التدخّل بفاعلية للدفاع عن إيران، لا سيما أنّ الحزب كان يمثّل نقطة ضعف أساسية للإسرائيليين في أيّ مواجهة يريدون خوضها مع إيران، باعتبار أنّ الحزب موجود على “الباب” ولديه أسلحة موجعة. لازمت هذه الفكرة الإيرانيين الذين دخلوا بشكل مباشر للإمساك بكلّ قرارات الحزب ومفاصله وإدارة العمليات العسكرية لأنّهم يعتبرون أنّ إطالة أمد الحرب في لبنان من شأنه أن يبعد عن الداخل الإيراني كأس الحرب.
ضربة إسرائيليّة قاسية ونوعيّة
لا تزال إيران تنظر إلى كلّ التطوّرات بمنظور تقليدي، ولا يبدو أنّها نجحت في ملاحقة الأحداث وتطوّراتها. ولا تزال عاجزة عن فهم طريقة التفكير الإسرائيلية، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الحزب وغالبية القوى اللبنانية التي راهنت على تدخّل أميركي للجم الحرب الإسرائيلية وإعادة إنتاج تسويات وفق الآليّات القديمة، ولا سيما آليّة عام 2006. لا يزال الحزب يؤمن بتكرار ذاك السيناريو. كما أنّ إيران تراهن على حصول متغيّرات إقليمية ودولية تجنّبها الحرب المقبلة. وهذه التطوّرات بنظر الإسرائيليين فرصة طال انتظارها، فأراد نتنياهو تعزيز فرصته في الاتّهامات التي وجّهها إلى طهران بالوقوف خلف إطلاق مسيّرة على منزله في قيساريا كمحاولة لاغتياله. أراد بذلك تجاوز كلّ الخطوط الحمر الأميركية المفروضة عليه، وهو لا يزال يجهّز لردّ عنيف ضدّ إيران.
تفيد المعلومات الخارجية بأنّ إسرائيل تحضّر لردّ مركّب ضدّ إيران، وأنّ الضربة ستكون قاسية ونوعيّة جداً، وقد تكون على مراحل لا ضربة واحدة فقط، خصوصاً في حال استدعت ردّاً إيرانياً وجرى الانتقال إلى الضربات المتبادلة. العملية المركّبة التي يحضّرها الإسرائيليون تحتوي خيارات لتنفيذ اغتيالات إلى جانب استهداف مواقع أساسية وحسّاسة. وإن لم تُستهدف المواقع النووية مباشرة فسيكون الاستهداف على ضفاف المشروع النووي.
من ينظر إلى الفيديو الذي نشره بنيامين نتنياهو وتوجّه فيه إلى الشعب الإيراني يستنتج بوضوح الطموح الذي يسعى إلى بلوغه من خلال إحداث تغيير كبير داخل إيران بالضغط العسكري وبالضربات التي سيتمّ توجيهها على طريق “صناعة الشرق الأوسط الجديد” ظهور نجل الشاه الراحل على الشاشة الدولية وكلامه المترجم إلى العربية والعبرية مؤشّر إلى الفارسي محاولة انعاش الذكرى الامبراطورية.
ما أصبح مؤكّداً أنّ الضربة الإسرائيلية على إيران ستضع طهران بين خيارين: إمّا امتصاص الصدمة وارتضاء ما يجري والاتّجاه نحو تغيير سلوك كبير في النظام وسياسته وتوجّهاته، وإمّا تنفيذ ردّ أعنف على إسرائيل، وهو ما يعني استدعاء المزيد من الردود الإسرائيلية التي ستستدرج الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبها، فيطول أمد وأفق الحرب التي تريد لها إسرائيل أن تنتج تغييراً جذرياً في البنية الإيرانية، وقد تصل إلى تغيير النظام.
خالد البواب