من نافل القول إنّ ضخ العملة الوطنية بأرقام مرتفعة في أسواق بلدٍ ما هو إلا دليل قاطع على انهيار هذه العملة وفقدانها قيمتها الشرائية. ونحن، في لبنان، لسنا في حاجة الى دليل على الانهيار المالي والنقدي الكبير الذي «يجتاحنا».
أمس أقر مجلس النواب قانوناً يأذن لمصرف لبنان طباعة ورقتَي الخمسماية ألف ليرة والمليون ليرة، مع العلم أن هذه الأرقام الخرافية لا توازي شيئاً يذكر على صعيد القيمة في الاستهلاك، بدليل أن المليون (نحو فقط عشرة دولارات) قد لا تكفي لتبتاع «سندويش» واحداً في المطاعم.
إن قوة العملة الشرائية ليست في الأصفار المتراكمة، بدليل أن أعلى ورقة من الجنيه الاسترليني هي خمسون جنيهاً، وهي قليلة التداول الى حد الندرة، فالعملة الإنكليزية الأعلى الأكثر تداولاً هي العشرون جنيهاً. في دول الاتحاد الأوروبي العملة الأعلى هي الألف يورو تحتها مباشرة الخمسماية يورو. في البحرين أعلى ورقة نقدية هي العشرون ريالاً…
سقى الله زماناً كان ثمن بناية العسيلي في ساحة رياض الصلح في العاصمة بيروت يُقدر بما هو دون المليون ليرة لبنانية، أي بعشرة دولارات في زمننا الحالي. وهي كانت أهم وأشهر مبنى في الشرق الأدنى.
وكتبتُ، غير مرة في هذا المقام، أنني كنت أدخل أي مصرف في فرنسا وألمانيا وسواهما وأعرض ورقة المئة ليرة اللبنانية على الصرف بالفرنك الفرنسي أو المارك الالماني فيبادلها المصرف (من دون أي تردد) بمئتين من هذا أو ذاك. فليرتنا كانت بين العملات الأربع الأقوى في العالم (الدولار الأميركي والين الياباني والمارك الألماني والجنيه الإسترليني).
لقد انتهت الحرب وليس على لبنان ديون تَذكر، وكان سعر صفيحة البنزين طوال الأحداث ثابتاً عند سقف السبع ليرات وربع الليرة، وكان سعر الدولار ثابتاً ما دون الثلاث ليرات… وأذكر أنه لما ارتفع نحو قرشين ونصف القرش، اتصل رئيس الجمهورية سليمان فرنجية برئيس الحكومة رشيد كرامي (برغم القطيعة السياسية) واتُّخِذت إجراءات لضبط العملة الخضراء…
وبعد هل ثمة حاجة الى المزيد من الأمثلة تأكيداً على ما فعلته الميليشيات بهذا الوطن عندما أوكلَ اليها المتواطئون (عرباً وأجانبَ) أن تهيمن عليه.
… وهذا غيض من فيض تلك «الإنجازات» الباهرة.