انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية، في الأيام الأخيرة، بالاجتهاد والبحث والتدقيق بالفرق ما بين كلمَتَي «الحوار» و «التشاور»، وذلك على هامش الزيارة التي شرّفنا بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لو دريان، والتي يدور ثمة إجماع حولها في المنطلق والنتيجة بأنه لم يكن من مبرّر للقيام بها، فهي أكثر ما ينطبق عليها المَثَل اللبناني الشعبي السائر «تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي».
وفي المعلومات التي رشحت من غير واحد من لقاءات موفَد إيمانويل ماكرون أنه يتبنى دعوة الرئيس نبيه بري الى الحوار مع «تلطيف» التسمية لتصبح «تشاوراً» بدلاً من «حوار»، ونُسب إليه أن رئيس المجلس النيابي قد وافق على هذا التعديل اللفظي الذي يبقى أن يوافق عليه المعارضون وبالذات حزب القوات اللبنانية وكتلته الواسعة.
وأمام شبه الإجماع على أن الزيارة فاشلة بامتياز، وعدم بناء أي بارقة أمل عليها للتوصل الى خرقٍ ما في جدار الملف الرئاسي، حضرتني الخلافات التي نشبت اثر إقرار مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 242 الذي أُصدِر بالإجماع، في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (1967) اذ تبناه الخمسة عشر عضواً بمَن فيهم بالطبع ممثِّلو الدول دائمة العضوية. وللتذكير فقد أعقب القرار «حرب حزيران» الشهيرة التي مُنيت خلالها الجيوش العربية بهزيمة كارثية تاريخية، كونها انتهت بتمدد الاحتلال الصهيوني على كامل أرض فلسطين إضافة الى الجولان السوري وسيناء المصرية. وأما ما استحضر تلك الحرب الى الذاكرة فهو اعتراض الدول العربية على النص بعد أن تبلغت الصيغة الانكليزية لهذا القرار الذي ورد فيه انسحاب إسرائيل من «أراضٍ» وليس من «الأراضي» التي احتلها العدو. صحيح أن الفرق كبير بين الكلمتين، كما هو ملحوظ اليوم بين الحوار والتشاور… ولكن النتيجة واحدة في عدم تحقيق الهدف العربي واللبناني: فإسرائيل لن تنسحب بقرار، وشغور رئاسة الجمهورية لن يملأه تشاور أو حوار.
ومن باب «شر البلية ما يضحك»، أتذكر رسماً كاريكاتورياً للفنان المبدع الأخ والصديق العزيز، رفيق الأيام الحلوة الراحل المرحوم ملحم عماد، الذي تناول الموضوع، في أحد أعماله اليومية، آنذاك ، في جريدة «تلغراف بيروت» الشعبية الشهيرة. فقد رسم أرقام القرار الدولي (242)، والمايسترو الأميركي يُجري عليها تعديلاً بأن يستبدل الرقم 2 الى اليمين بالرقم 2 الى اليسار. والمعنى واضح!