لا تزال الحصاتان اللتان رمى بكل منهما وليد جنبلاط وسليمان فرنجيه تتفاعلان دوائرَ واستنتاجاتٍ وتعليقاً لا حدود له في بِركة الاستحقاق الرئاسي التي كانت قد تحوّلت الى مستنقعٍ آسن المياه جرّاء الركود المستمر منذ أكثر من ستة وعشرين شهراً من الشغور الرئاسي في واحدة من أكثر مراحل لبنان والمنطقة خطورةَ ودقة وصعوبة، لكثرة ما حفلت به من تطوراتٍ وتقلبات ومتغيرات استراتيجية ذات أبعاد «جيو – بوليتيكية» ذات شأن كبير، لا سيما عملية «طوفان الأقصى»، والحرب على غزة، والحرب على لبنان، واتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل الذي تحوّل الى اتفاق بين لبنان والعدو الإسرائيلي بعد أن تبناه مجلس الوزراء اللبناني، والحدث السوري الهائل الذي أطاح بشّار الأسد، وما ترتب عليه من سقوط الدور الإيراني في لبنان والإقليم، وتراجع الدور الروسي، وتنامي الدور التركي الخ… ناهيك بأبعاد عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض…
وبعد، وفي عود على بدء، لا شك في أن النائب السابق وليد جنبلاط وزميله في النيابة والوزارة سابقاً سليمان فرنجية يجمع بينهما أنهما سليلا أسرتين عريقتين في السياسة اللبنانية وأيضاً في أن كليهما وريثان لزعيمين سقطا في الاغتيال الخ… ولكن يفرّق بينهما الكثير في المواقف السياسية الجذرية، إذ إن وليد بيك سيد في البراغماتية بينما البيك الزغرتاوي يذهب في التزامه المبدئي الى الحدود القصوى، إضافة الى ما يُعرَف عن الاثنين من عدم ارتياح كلٍّ منهما الى الآخر على الصعيد الشخصي(…).
وعندما أعلن جنبلاط تأييده العلني لقائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية كان يضع الأطراف اللبنانية كلّها أمام أمر واقع، بدءاً بحليفه الرئيسي نبيه بري والثنائي الشيعي عموماً. وعندما أعلن فرنجية استمراره مرشّحاً كان، هو أيضاً، يوجه «رسالة عتب» الى الثنائي إياه. ويبقى السؤال: هل يستمران على هذين الموقفين؟
الجواب بالجزم أو بالنفي ليس بالأمر السهل، وإن كان احتمال ثبات جنبلاط على موقفه، هذه المرة، أكثر احتمالاً، بينما احتمال تراجع فرنجية هو الأكثر احتمالاً. لماذا؟ لأن حظوظ وصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة تتنامى، بينما يدرك رئيس تيار المردة تراجع حظوظه، وهو أصلاً ترك الباب مفتوحاً أمام التوافق على مرشحٍ حدّد مواصفاته في إعلانه أنه «مستمر».
ولكن، من الواضح أن هذا التطور المزدوَج لن يكون له تأثير كبير على مسار الاستحقاق وإن كان قد أوجد حراكاً ننظر إليه على أنه إيجابي في المطلق، فجنبلاط لم يعد بيضة القبّان، وفرنجية لم يعد منطلقاً من رزمة أصوات كبرى ممثلة بالنواب الشيعة كلهم.