بكّرت باريس في التواصل مع النظام الجديد في دمشق، ولعلّها الجهة الغربية الأولى التي بادرت الى إرسال مبعوث الى أحمد الشرع (الجولاني) قبل أي طرف آخر أوروبي أو أميركي. في هذا الصدد قال لنا الديبلوماسي الأوروبي الغربي الصديق، الذي كثيراً ما اطّلع القارئ على آرائه في هذه الزاوية. وأضاف: إن فرنسا تعتبر ذاتها معنية بلبنان وسوريا أكثر من أي طرف آخر كونها كانت منتَدَبة على البلَدين في حقبة زمنية لا تزال ماثلة في الأذهان بإيجابياتها وسلبياتها، لذلك هي معنية بنجاح مرحلة ما بعد إسقاط العهد الأسدي الذي استمر نصف قرن ونيّف.
وأضاف: إن فرنسا قلقة من تعرض الحكم الجديد في سوريا الى محاولات قوية لتفشيله، ولكن ما يريحها أن هيئة تحرير الشام «منفتحة على واشنطن، أما في حال العكس فيصبح الخوف مبرّراً». وفي تقدير الديبلوماسي الأوروبي الغربي أن الخوف الأكبر على النظام السوري الجديد هو منه وعليه، فإذا استمر على الصورة التي رسمها لذاته على حالها، فهذا سيكون لمصلحته ومصلحة سوريا والمحيط، أما إذا غيّر من مواقفه «واكتفى بالدعم التركي وحده فالمشكلة ستكون كبيرة». ويؤكد الرجل أن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية لا يستعجلان إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، ولكنهما يرفضان المماطلة، أمّا مسألة التأجيل أسبوعين أو ثلاثة «فليست ذات شأن». أمّا في أسماء المرشَّحين فالبلَدان لم يتبنيا اسماً بعينه، ولكنهما لا يختلفان جذرياً على أي من المرشحين المتداولة أسماؤهم في هذه المرحلة.
ويجزم الديبلوماسي الأوروبي الغربي الصديق بأن فرنسا كانت أول مَن عرف برغبة رئيس تيار المردة بمراجعة حيثيات ترشحه، وبأنه يؤثر النائب فريد هيكل الخازن بديلاً، كما كانت أول بلد تبنى ترشيح رئيس تيار المردة منذ عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند. ومع أن باريس هي مرجعية في القانون الدستوري وفي الممارسة الديموقراطية الصحيحة والشفّافة فهي تؤكّد على أن الاستحقاق الرئاسي في لبنان هو مسؤولية اللبنانيين أنفسهم، ويجب أن يقوم مجلس النواب بدوره وواجبه في هذا الصدد، أمّا إذا كان لا بد من نصيحة فهي أن المرحلة الراهنة الإستثنائية في لبنان والمنطقة تقتضي رئيساً يحظى بالإجماع أو شبهه لينطلق العهد الجديد بالحد الأدنى من العراقيل إن لم يكن من دونها كلّياً، «لأن الحمل سيكون ثقيلاً والعبء سيكون كبيراً».