ليست مسألة عادية أن يكون حاكم المصرف المركزي في لبنان، قيد التحقيق في تهم عديدة، ليس من شأننا الدخول في تعدادها وتفاصيلها. إنه حدث بالغ الأهمية من دون أدنى شك. ولكن الأهمية الأكبر هي المسار القضائي الذي سيسلكه التحقيق، وهنا بيت القصيد.
على صعيد شخصي لن نشذّ هذه المرة أيضاً، عن نهج اتبعناه على امتداد عملنا في مهنة السلطة الرابعة، ودرّسناه لحشدٍ كبير من الصحافيين والإعلاميين في معاهد عديدة، وفي النطاق العملي للكثيرين الذين كان لي الحظ أنهم انطلقوا في هذه المهنة على يدي، سواء في صحف أسّستُها في بلدَين خليجيين أم في لندن وباريس، وطبعاً في بيروت. وهذا النهج يقوم على القاعدة الآتية: أنا صحافي في مكتبي ولست قاضياً على قوس المحكمة. لذلك درجتُ على عدم إطلاق الأحكام المسبقة، قبل أن يلفظ القضاء حكمه.
لا شك في أن التهم الموجهة الى حاكم المصرف المركزي السابق كبيرة وخطرة، وقد يكون شغف التعليق على هذه القضية غير المسبوقة في لبنان (ونادرة الحدوث في بلدان العالم) غيرَ مستبعَدٍ من الذين يستعجلون البراءة أو أولئك الذين يستعجلون الإدانة، ولكن يجب على هؤلاء في كلَي الجانبين ألّا يتدثّروا بـ«روب القاضي»، بل أن يطالبوا القضاء بالنزاهة، وهذا أضعف الإيمان قدْرَ ما هو واجب قضائي في المطلق لا يقبل نقاشاً أو جدالاً، وهو ما يقسم عليه القاضي اليمين قبل أن ينخرط في هذه السلطة النبيلة.
من هذا المنطلق نرانا نؤكد على خطورة دور ومسار القضاء الذي وضع يده على هذه القضية الاستثنائية المهمة. ونود أن نقول إن القضاء اللبناني على المحك، بل على مفصل تاريخي (بالنظر الى الأهمية القصوى لهذه القضية). ولعلّ من الضروري لفت عناية القضاة الذين أُحيلت عليهم هذه القضية أن يدركوا أن الأعين مفتّحة عليهم في العالم كلّه، وبالذات في دول عديدة من أوروبا الغربية، وكذلك في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، ناهيك بدول الإقليم التي للمئات من رعاياها صلةٌ بما آلت إليه الأوضاع المالية في لبنان. وفي تقديرنا أن المطلوب من القضاء، كذلك، ألّا يحيلَ هذه القضيةَ الى عالم النسيان، بل أن يسارع في البت فيها، انطلاقاً من مصلحة الجميع، وبالذات مصلحة السيد سلامة نفسه. ونود أن نختم بأننا بقدْر ما نرفض التمييع بقدْر ما نرفض كبش المحرقة.
khalilelkhoury@elshark.com