بقلم عماد الدين أديب
«أساس ميديا»
يتوقّع الأميركيون أن تنسحب قوات النخبة (الرضوان) من الخطوط المتقدّمة على الجهة الشمالية إلى ما بعد نهر الليطاني في جنوب لبنان، لكن سوف يقاوم الحزب جهود إضعافه داخلياً وسياسياً وأمنيّاً داخل مفاصل الدولة… فهل يدخل لبنان المرحلة الإسرائيلية؟
وفق معلومات مؤكّدة جمعتُها خلال زيارتي منذ أيام العاصمة الأميركية، أستطيع أن أؤكّد الآتي:
1- يشير التقدير الأميركي الأمنيّ إلى أنّ ضربات إسرائيل ضدّ القيادة العليا ومراكز القيادة والسيطرة للحزب هي أقوى ضربة تلقّاها الحزب منذ إنشائه، لكنّ ذلك لا يعني نهاية الحزب.
2- القيادة المقبلة للحزب سوف تحرص في فترة مسؤوليّتها الأولى، التي تراوح بين عام وعامين على التهدئة التامّة على الجبهة مع إسرائيل، لكنّها ستقاوم بشدّة إذا ما بدأ الهجوم بهدف وراثة مراكزها في الدور السياسي والأمنيّ داخل المعادلة اللبنانية.
3- الأزمة الكبرى التي ستواجه الأمين العامّ المقبل للحزب ستكون كيفية مخاطبة جمهور الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب وعلى امتداد لبنان والمنطقة بعدما أصابه الإحباط.
4- أكبر أزمات هذا الجمهور هي حلّ مشكلة النازحين الذين يتعدّى عددهم حتى الآن أكثر من مليون. يحتاجون إلى مساعدات وإعادة إسكان وإعادة إعمار قراهم وضيعهم واستعادة مصادر رزقهم ودخلهم.
جمهور الحزب أمام أوامر إيران
5- حتّى يستطيع الأمين العامّ الجديد توفير كلّ هذه الموارد لجمهور الحزب فسيضطرّ حتماً إلى أن يستجيب تماماً وكلّياً لخيارات وتوجّهات مراكز صناعة القرار في طهران.
6- لدى واشنطن سؤال لا تجد له إجابة يتمحور حول شكل إدارة الحزب للعلاقة مع الجيش اللبناني الذي يتعيّن عليه أن “يرث” كثيراً من المفاصل التي كان يسيطر عليها الحزب في عهوده الذهبية.
7- يرى الأميركيون أنّ الرجل الذي سيلعب دوراً أساسياً في تنظيم علاقات الحزب وإعادة بنائه في الداخل والخارج، هو نعيم قاسم (إن لم تتمّ تصفيته من قبل إسرائيل).
تؤكّد هذه المصادر أنّ هناك توقّعاً أن تحكم حالة “فوبيا أمنيّة” قيادات الحزب الجديدة من أجل محاولة سدّ ثغرة الاختراقات الأمنيّة القاتلة التي وجّهت ضربات قاصمة لقيادة الحزب.
يبدو أيضاً أنّ حواراً ساخناً صامتاً بين الضاحية وطهران حول انكشاف نتائج التحقيقات الإيرانية عن دور بعض الجواسيس في قيادة الحرس الثوري الذين “باعوا” أكبر الأسرار عن أماكن ومواعيد وتفاصيل وجود قيادات الحزب، ووفّروا معلومات بالصوت والصورة لأجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما جعل من قيادات الحزب “بنك أهداف” مفتوحاً أمام التصفية
ماذا تريد أميركا من الحزب؟
تتلخّص رؤية الإدارة الأميركية الحالية لمستقبل لبنان القريب على النحو التالي:
1- الحزب تلقّى ضربة قاصمة.
2- قوات الحزب (الرضوان) سوف تتراجع تكتيكياً إلى الشمال.
3- بالتناسب العكسي، كلّما ضعفت قوّة الحزب العسكرية سوف تزداد قوّة التجرّؤ السياسي عليه وعلى دوره من القوى اللبنانية المعارضة له.
4- الحزب الجريح في قيادته ومراكز القيادة والسيطرة وفي سمعته وهيبته السياسية أمام جمهوره، سوف يحتاج إلى وقت طويل ودعم خارجي مضاعف من إيران حتى يعود إلى مكانته في الداخل، أي إلى مرحلة ما قبل حوادث “البيجر” والاغتيالات، وآخرها اغتيال الأمين العامّ.
يرون في واشنطن أنّ القيادة الجديدة في الحزب ستكون من الجيل الأوسط سنّاً، وأنّه يتمّ التداول في طهران الآن باسم الأمين العام الجديد الذي يتوقّع أن يكون أكثر ارتباطاً وأكثر انصياعاً لرؤية طهران.
في المقابل يتوقّع أن تكون القوى المعارضة للحزب أكثر قبولاً للرؤية الأميركية – الإسرائيلية لمشروع السلام وأكثر اندماجاً مع فكرة الشرق الأوسط الجديد.
7 نقاط في منهج إسرائيل ومنطقها
ما يقال في واشنطن عن “منهج متكامل للمنطق الإسرائيلي في التصعيد العسكري الحالي”، ننقله كما هو، ويعتمد على العناصر التالية:
– أوّلاً: نحن طرف تمّ الاعتداء عليه بوحشيّة من قبل حماس يوم 7 أكتوبر.
– ثانياً: ما حدث في ذلك اليوم هو تهديد أمن المستوطنين المدنيين، وهم يشكّلون الكتلة الأكثر تأثيراً في الكتلة الناخبة من أصوات أحزاب وقيادات الائتلاف الحاكم.
– ثالثاً: لن يقوم أحد غير جيش الدفاع بردع حماس.
– رابعاً: معركة إسرائيل وحلفائها في الغرب ليست مع حماس والحوثيين والحزب والحشد الشعبي ومن على شاكلتهم، لأنّها حتماً مع “المشغّل” أو “المحرّض والمموّل والمسلّح الرئيس في إيران”.
– خامساً: لا بدّ أن تقوم إسرائيل في هذا الزمن الصعب بتغيير جذري لقواعد اللعبةGame Changer ، بما يوجّه ضربة كاسحة للمصدر إيران وللأذرع في صنعاء، الضاحية، بغداد، دمشق، غزة والضفة.
– سادساً: إنّ هذا التوقيت الاستراتيجي هو أكثر توقيت مناسب تماماً لتنفيذ هذه الضربات الكاسحة.
– سابعاً: لقد تعلّمنا في إسرائيل أنّ الالتزام بالقانون الدولي وقوانين الحروب وقواعد النظام الدولي الحالية عديم الجدوى مع فشل هذه القواعد أمام القوى الأيديولوجية المتطرّفة مثل نظام ولاية الفقيه في إيران.
هذا المنطق الذي يتمّ تداوله بالأخذ والردّ بين مجموعة بلينكن وسوليفان وأوستن وبيرنز أصبح بعد نجاح عمليات التصفية والإبادة الإسرائيلية يلاقي حالة صفاء صامت لا يتمّ الإفصاح عنه، ويتمّ الاكتفاء ببعض التصريحات التي تحذّر من توسيع نطاق الحرب الإقليمية أو ضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين أو عدم الاعتداء على سلامة وعمل قوات “اليونيفيل”.
كلّ ذلك يمهّد الطريق لخلق 3 حقائق رئيسية سوف تشكّل قواعد إدارة المنطقة للحقبة المقبلة:
– أوّلاً: لعب إسرائيل دور شرطي المنطقة المنفلت القادر على تغيير أيّ معادلة إقليمية بالقوّة المفرطة.
– ثانياً: دخول إيران وحلفائها لفترة مؤقّتة في حالة انكماش وعدم تمدّد، التزاماً بقواعد لعبة جديدة تماماً تحدّد حجم حركتهم مقابل مقايضة العقوبات الدولية مع إيران وإعادة تأهيلها دولياً.
– ثالثاً: بدء مرحلة القبول الاقتصادي والتكنولوجي العربي للدور والخبرة الإسرائيليَّين على أساس فصل إشكاليّات القضية الفلسطينية المزمنة عن شكل القبول والتعاون الإقليميَّين.
هكذا يفكّرون في واشنطن عن أنفسهم وعن إسرائيل وعن المنطقة.
عماد الدين أديب