بقلم خيرالله خيرالله
دفعت حرب غزّة، التي تسعى إيران إلى استغلالها إلى أبعد حدود، العالم إلى نسيان حرب أوكرانيا التي بدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24 شباط – فبراير من العام 2022، أي قبل سنتين وشهرين تقريبا. مضى ما يزيد من عامين على حرب لا مبرّر لها سوى الرغبة الروسيّة في إثبات أنّها دولة عظمى وأنّها تمتلك القدرة على ممارسة نفوذ يتجاوز حدودها، كما كانت عليه الحال أيّام الإتحاد السوفياتي.
يدفع الشعب الأوكراني غاليا ثمن الأوهام الروسيّة التي تقوم على فكرة أنّ لا مستقبل لروسيا من دون السيطرة على أوكرانيا. إلى ذلك، يدفع الأوكرانيون الذين ذاقوا طعم الحريّة، بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، ثمن تخلي العالم، في مقدّمه الولايات المتحدة، عنهم. بكلام أوضح، بات مطروحا تحقيق إنتصار روسي في أوكرانيا. صار هذا الإحتمال واردا بعدما تخلّى الأميركيون عن دعم الجيش الأوكراني وتراجعوا عن توفير الأسلحة والذخائر التي تضمن التصدي الفعّال للحملة العسكريّة الروسية وجعلها تقف عند خطوط محددة. يحصل ذلك في ظلّ العجز الأوروبي عن الحلول مكان الأميركيين في دعم الرئيس فولوديمير زيلنسكي. تبيّن بوضوح أن أوروبا لا تستطيع أن تتكلم بصوت واحد في حال وجود أزمة في مستوى الأزمة الأوكرانية.
هل مسموح أن تخسر أوكرانيا الحرب مع روسيا وأن يدخل «الجيش الأحمر» كييف في نهاية السنة الجارية؟ في الواقع، تحدث ضباط أوروبيون كبار باتوا خارج الخدمة عن مثل هذا الإحتمال الذي يعني بين ما يعنيه أنّ أوروبا كلها صارت معرّضة للخطر الروسي. تكفي نظرة إلى الموقع الجغرافي لأوكرانيا للتأكد من ذلك، خصوصا أن دولا عدّة قريبة منها، مثل بولندا، تصبح قابلة للسقوط تحت النفوذ الروسي في حال حصول هزيمة أوكرانيّة.
سيكون للإنتصار الروسي في أوكرانيا إنعكاسات كبيرة على التوازن الدولي وذلك في حال بات مسموحا حصول هذا الإنتصار. لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أنّ إنتصار فلاديمير بوتين ليس انتصارا روسيا، بل هو إنتصار صيني. إذا كان من نتيجة ملموسة لما حدث في العامين الماضيين في أوكرانيا، فإنّ هذه النتيجة تتمثّل في سقوط روسيا في حضن الصين التي من دونها لم يكن في إستطاعة الجيش الروسي متابعة الحرب في داخل الأراضي الأوكرانية وتحقيق سلسلة من الإنتصارات.
لم يستوعب فلاديمير بوتين إلى أي حدّ سيصير تحت رحمة الصين التي تفكّر في طبيعة علاقتها مع روسيا في السنوات المقبلة. لدى الصين أطماع معروفة في روسيا نظرا إلى أنّها تدرك، قبل غيرها، ما في باطن أرضها من معادن ثمينة تستخدم في الصناعات الحديثة. أي بكلّ ما له علاقة بالتكنولوجيا المتقدّمة التي تبدو الآلة الصناعية الصينيّة قادرة على إستغلالها على العكس من الآلة الصناعيّة الروسية التي لا تتقن سوى انتاج أسلحة. أثبتت هذه الأسلحة الروسيّة مقدارا كبيرا من التخلّف مقارنة مع الأسلحة الغربيّة التي لدى الجيش الأوكراني، خصوصا في السنة الأولى من الحرب. في تلك المرحلة، كان الغرب يزود أوكرانيا ما تريده من أسلحة متطورة قبل أن تواجه إدارة بايدن صعوبات في دعمها وتوفير ما يطلبه جيشها من ذخائر ومعدات.
ساهمت حرب غزّة في الحد من تدفق الأسلحة والذخائر الأميركية على أوكرانيا. حوّل قسم كبير من الأسلحة والذخائر الأميركيّة إلى إسرائيل. قبل ذلك واجهت إدارة بايدن صعوبات في داخل الكونغرس في وجه تمرير المساعدات العسكريّة والماليّة إلى أوكرانيا. يعود ذلك إلى الخلافات، التي لا تزال مستمرّة، بين الجمهوريين والديموقراطيين في ظلّ جهل تام لدى معظم السياسيين الأميركيين لما هو على المحكّ في أوكرانيا.
استطاعت الصين إستخدام الحرب الأوكرانيّة لتجعل روسيا تحت رحمتها. مكنت فلاديمير بوتين من الصمود في وجه العقوبات الدوليّة وتجاوزها. لا شكّ أن وضع الجيش الروسي بات أفضل الآن، خصوصا مع فشل الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ قبل أشهر عدّة. كلّ ما في الأمر، أن الصين ثبتت أقدامها في روسيا ومكّنت فلاديمير بوتين من استعادة المبادرة في أوكرنيا التي يخشى أن تدفع ثمن إحكام الصين سيطرتها على روسيا وعلى مواردها. أكثر من ذلك، ليس سرّا أن كوريا الشمالية ما كانت، لولا الصين، لتزود روسيا أسلحة معيّنة، بما في ذلك صواريخ وذخائر، يبدو الجيش الروسي في أمس الحاجة إليها.
لا شكّ أن إيران لعبت دورا مهما في جعل الجيش الروسي يتابع الحرب بعدما أرسلت إليه طائرات مسيّرة وذخائر. يوجد حلف صيني- روسي – إيراني تظهر ملامحه من خلال التفاهم القائم بين الدول الثلاث على دعم النظام الأقلوي في سوريا في حربه على شعبه، وهي شعب بدأت في العام 2011.
سقطت روسيا سقوط ثمرة ناضجة في يد الصين. ذلك يبدو ثمن الإنتصار الذي يمكن أن يحققه فلاديمير بوتين في أوكرانيا. ليس سرّا أن مدير وكالة الإستخبارات المركزيّة الأميركيّة (سي. آي. إي) وليم بيرنز حذر منذ فترة من سقوط روسيا في الحضن الصيني. كذلك، فعل مسؤولون أوروبيون يتابعون التطورت الأوكرانيّة بقلق.
بات يمكن القول أن الصين خرجت منتصرة من حرب روسيا في أوكرانيا، اللهمّ إلّا إذا وجدت الولايات المتحدة وسيلة لإرسال الأسلحة والذخائر التي يحتاج إليها الجيش الأوكراني، قبل فوات الأوان.
هل بدأت إدارة بايدن معالجة النتائج التي ستترتب على تحول فلاديمير بوتين رهينة لدى الصين؟ السؤال يبدو مشروعا، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار التحرّك الأميركي – الياباني – الصيني في إتجاه إقامة تحالف في مواجهة الصين.
سيتوقف الكثير في نهاية المطاف على ما إذا كانت الحرب الأوكرانيّة ستنتهي في آخر السنة بانتصار عسكري روسي يتوج بدخول «الجيش الأحمر» العاصمة كييف. مثل هذا الإنتصار سيكون صينيّا قبل أي شيء آخر من جهة وسيقلب موازين القوى في القارة العجوز (أوروبا) من جهة أخرى…
خيرالله خيرالله