حديث الجمعة_ الثبات على الحق

المهندس بسام برغوت

يقول الله تعالى: “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ”  (سورة ابراهيم).

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ”يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ“.

إن الثبات على الحق هو من أبرز صفات المؤمنين، لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الابتلاءات والفتن بكل أنواعها، حتى أصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، فأهل الحق هم أعظم الناس صبرًا على عقيدتهم ومنهجهم.  

وإن الثباتَ على الطريق الحق، ولُزومَ الصراط المستقيم، والاستقامتُه على الدين من أرفع مراتبِ الثباتِ وأعلى درجاته، وقدوتنا في ذلك  سيدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام الذي ثبت في تبليغ الأمانة وأداء الرّسالة التي اكتملت بفضل الله، عزم رسول الله وثبات  صحابته الأخيار، حتّى ترك أمّته على الحقّ المبين.

وقد ذكر الله تعالى الثبات في القرآن الكريم عدَّة مرات، وكذلك وضع شرطًا لتثبيت المؤمنين  بأن ينصروه في انفسهم، فلا يعصوا له سبحانه أمرًا، ولا يحيدوا عن الطريق الذي ارتضاه لعباده، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (سورة محمد).  ولا يخفى على عاقل متدبر أثرُ قصص الثابتين على الحق في القلوب، وأن الله سبحانه قصَّ على رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته ومن بعده في كتابه العظيم قصصًا مثبتةً للفؤاد، فقال سبحانه وتعالى: “ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ” (سورة هود).

ولا بد للثبات على الحق من وسائل ينبغي على المسلمين الالتزام بها، ومن هذه الوسائل ما يلي:

التّمسك بالكتاب والسنّة: إنّ أهمّ شيءٍ يساعد المسلم على الثّبات على الحقّ هو التّمسك بالكتاب والسّنّة، وإنّ التّمسك بهما يعني أموراً كثيرة منها تطبيق أحكامهما والاستنان بسنّتهما، والعمل بهديهما، والحكم بهما، والاسترشاد بنورهما، وإنّ كلّ ذلك كفيلٌ بجعل المسلم ثابتاً على الحقّ لا يتزحزح عنه مهما واجه من ابتلاءاتٍ أو فتن.

وقد حذّر النّبي عليه الصّلاة والسّلام المسلمين في خطبة الوداع من أمورٍ كثيرة من بينها التّفرق والتّشرذم، بقوله: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”، كما دعا إلى الاعتصام بالكتاب والسّنّة النّبويّة الشّريفة والتّمسك بهما، بقوله: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما أبداً، كتاب الله وسنّة نبيّه“.

التّمسك بهدي السّلف الصالح:  من الأمور التي تعين المسلم على الثّبات على الحقّ في زماننا هذا، أن ينظر المسلم في حال السّلف الصّالح وكيف كانوا ثابتين على الحقّ في كلّ الظّروف والأحوال، لذلك وصفهم الله عز وجل بصفاتٍ عالية وأخلاق مثلى، قال تعالى: “من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً“، (سورة الأحزاب)، ولذلك فقد استحقوا أن يكونوا من خيرة البشر بشهادة النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وإنّ الاقتداء بهم والسّير على نهجهم يعين المرء على الثّبات على الحقّ بعون الله تعالى.

التواصي بالحقّ: يجب على المسلمين كذلك أن يحرصوا على خلق التّواصي بالحقّ، قال تعالى: “والعصر إنّ الإنسان لفي خسر، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر” (سورة العصر)،  ويكون التّواصي بالحقّ بين المسلمين من خلال الجماعة وعدم الفرقة، بحيث يكونون يداً واحدة يتناصحون فيما بينهم، ويتناهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويشدّ بعضهم أزر بعض في صورة تعينهم على الثّبات على الحقّ والتّمسك به.

ختاماً،

في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ثبات عجيب، وإصرار على تبليغ الدعوة، ومن سيرته يتعلم المؤمنون الثبات؛ ولهم في نهجه أسوة حسنة. فلقد آذى المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتَلوا أصحابه فلم يتراجع عن دعوته، وساوموه فلم يتنازل عن شيء منها، وحاولوا اغراءه  فما تزحزح عن موقفه، وكان ثابتًا ثبوتَ الجبال، ويشهد على ثباته صلى الله عليه وسلم رفضُه لما عرضه عليه رؤساء قريش ذات يوم عند ظهر الكعبة المشرفة، حين قالوا له: “إن كنت إنما جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالًا، جمعنا لك من أموالنا؛ حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نُسَوِّدُك علينا، وإن كنت تريد به مُلكًا، ملَّكناك علينا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: “مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُب أَمْوَالكُمْ، وَلَا الشَّرَف فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْك عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُون لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِر لِأَمْرِ اللَّه حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنِي وَبَيْنكُمْ“ . فكان هذا الثبات على الحق والمضي بالدعوة، اكبر ثبات نعمت به البشرية من يوم بزوغ فجر الاسلام وحتى قيام الساعة.

ونختم كلمتنا بدعاء قرآني ندعو به في ختام كل صلاة: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ”.

المهندس بسام برغوت

التعليقات (0)
إضافة تعليق