حديث الجمعة _ الحضارة الاسلامية

المهندس بسام برغوت

يمكن تعريف الحضارة الإسلاميّة بأنّها امتزاج الشعوب العربية وغير العربيّة التي اعتنقت الإسلام وثقافاتها، لينتج حضارة انسانية عمت العالم من المحيط الباسيفيكي الى المحيط الاطلسي وشملت تلك الحضارة الحضارات والثقافات التي شملتها الفتوحات الإسلاميّة حتى بلغت الحضارة الإسلاميّة ذروتها بالتقدم منذ منتصف القرن الثامن وحتّى القرنين الرابع والخامس عشر للميلاد، وشهدت الحضارة الإسلاميّة خلال هذه الفترة تقدماً في المجالات العلميّة، والهندسيّة، والاقتصاديّة، والصناعيّة ومن العلوم الانسانية المختلفة.

الحضارة الإسلاميّة هي حضارة تقوم على قيم ومبادئ وقواعد سامية تدفع الانسان نحو حياة سامية وفضلى وذلك يحقق التقدم والتطور على اساس هذه القيم في الجوانب المادية والمعنوية التي تسهل على الانسان حياته وتنظمها ، كما إن الفكر الإسلامي هو الذي بناها وشيدها، وهي حضارة إنسانيّة تشمل مختلف جوانب الحياة، كما أنها حضارة ربانيّة تعود إلى العلم الذي جاء به الاسلام ، وقد استفادت الحضارة الإسلاميّة من مختلف الحضارات وطورتها، فرفعت من شأن الشورى، والعدالة، والمساواة، والحرية، ومختلف الحقوق الإنسانيّة، كما أنها خلاصة تفاعل الحضارات الموجودة في المناطق التي وصل إليها الإسلام.

تصنّف الحضارة الإسلاميّة إلى عدة أنواع، وهي:

حضارة التاريخ: تسمّى أيضاً حضارة الدول، وهي تلك التي جاءت بها الدول الإسلاميّة سعياً لرفع الشأن الإنساني العام وتقديم الخدمة له، وشملت المجالات الزراعيّة، والصناعيّة، والتعليم، وركزت على طبيعة العلاقة بين الدولة الإسلاميّة والدول الأخرى.

الحضارة الإسلاميّة الأصيلة: قام هذا النوع من الحضارة عن تقديم الخدمة للإنسان بكافّة أشكالها، وتشمل على ما أتى به الدين الإسلاميّ من تشريعات في السياسة والاقتصاد والتربية والقضاء.

الحضارة المقتبسة: يطلق على هذا النوع مسمّى البعث والإحياء، وقدمت هذه الحضارة بمثابة خدمة كبيرة للبشرية، وتمثلت بقيام المسلمين بإعادة احياء العلوم السابقة وحضارات الامم.

تتميّزُ الحضارة الإسلاميّة عن غيرها من الحضارات بمجموعةٍ من الخصائص والصفات، ومن أهمها:

انها حضارة مصدرها الوحي الالهي: أي انها تعتمد على الإيمان بالله تعالى والتوحيد الكامل والمُطلق، فتعطي لمختلفِ الأنظمة في الحياة الطابع التوحيدي القائم على الوحدة في العبوديّة، والربوبيّة، والتشريع، والنظر إلى الكونِ والإنسان الذي يعيش فيه.

انها حضارة إنسانيّة: فتكرم الإنسان وتخدمه، وتهدف إلى تحقيق التقدّم والرّقي في مُختلفِ نواحي الحياة، وتضم مختلف الأجناس من الشعوب دون تمييز بينهم، وتوفر لهم فرصاً متساوية في الحياة.

انها حضارة أخلاقيّة: وهي حضارة لا تعبث بالقيم الإنسانيّة من خلال تبني مسمى النسبيّة، بل يتساوى النّاس تحت لوائها دون الخضوع إلى معايير مزدوجة، فالقيمَ الاخلاقيّة هي التي تحكمها وتنظّمها، ومنها العدل، والصّدق، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الأُخرى التي حثَّ عليها الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.

انها حضارة عقليّة وعلميّة: تحثّ على العبادة بالتفكّرِ والتأملِ وإعمال العقل، كما يتفقُ فيها العقلُ مع الوحي، والعلمُ مع الدّين، ولا يناقض أو يصادم اي منهما الآخر، بل يأتي التصادم من تداخل الأهواء وقلّة الوعي أو نقص الموضوعيّة.

انها حضارة تقوم على التسامح: إذ لم تظهر حضارة قبلها اتصفت بالتسامح كما اتصفت بها الحضارة الإسلامية، وخصوصاً التسامح بين الأديان؛ حيث تعايشت الحضارة الإسلاميّة مع الأديان الأُخرى.

انها حضارة العدل والمساواة والرحمة: لأنها تعتمد على تكامل الجانب المادي والجانب المعنوي، وجميع الأفراد سواء في الحضارةِ الإسلاميّة أمام شرع الله ، كما أنها توازن بين الرّجل والمرأة، وبين العقل والوحي، وبين الفرد والمجتمع، وبين الدّين والدُّنيا، فلا تصادم فيها، وهي بذلك حضارة قائمة على التكامل.

انها حضارة حيوية: تؤمن بالحياة، وتسعى إلى تحقيق السعادة للانسان في الدُّنيا والآخرة، كما تدعو الى إعمارِ الأرض باسمِ الله تعالى.

انها حضارة شاملة: فتشمل أحكامها شؤون الدُّنيا والآخرة والكون بأكمله، وليس الإنسان فقط، كما أنها حضارة تتفاعل مع الحضارات والعقائد الأُخرى؛ مما مكنها من نقل العديد من الفنون والعلوم إلى أنحاء أوروبا، وقد استفادت من الحضارات الأخرى وأفادتها.

انها حضارة تراعي عادات المجتمع: على ان لّا تُخالف هذه العادات والتقاليد الدّين والشرع.

انها حضارة تدرك قيمة الزَّمن: فقد حثَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الاهتمامِ بقيمة الوقت والزَّمن، فالإنسان سيُسأل عن عُمره فيما أفناه، وعلمه فيما عمل به، وماله كيف كسبه وكيف أنفقه، وجسده فيما أبلاه.

انها حضارة صالحة لكلِّ زمان ومكان: فلا تقتصرُ على منطقةٍ مُعينةٍ أو فئةٍ مُحدّدةٍ من النّاس.

انها حضارة كانت اللغة العربيّة لغة القران الكريم لسانها: فكانت لغة الدّين، والعلوم، والأحكام، والثقافة؛ حيث إنها لغة ذات أصول ثابتة وقابلة للتجدّدِ دائماً.

ختاماً،

 تُعدّ الحضارة الإسلامية إرثاً تتشارك فيه جميع الشعوب والأُمم التي انضمّت لها وساهمت في بنائها وازدهارها، فهي لا تقتصرعلى جنسٍ معينٍ من البشر أو الأقوام، وإنما حضارة شاملة لجميع الأجناس التي كانت لها مساهمة في بنائها، وتشمل الحضارة الإسلاميّة في مفهومها على نوعين، أوّلهما الحضارة الإسلاميّة الأصيلة وهي حضارة الإبداع التي يعدّ الدّين الإسلاميّ مصدرها ومنبعها، وثّانيهما حضارة البعث والإحياء؛ لأنها نتجت عن تطبيق المسلمين لأمورٍ تجريبيّة مختلفة، كما يُقصد بالحضارة الإسلاميّة مجموعة الجهود المبذولة من قِبَل العلماء المسلمين، والتي أدّت إلى إخراج نظريات جديدة ومبتكرة في التكنولوجيا والعلوم على مستوى العالم، حتّى قيل فيها إنه لا توجد حضارة في تاريخ الانسانية قدّمت للبشرية ما قدّمته الحضارة الإسلاميّة.

المهندس بسام برغوت

 

التعليقات (0)
إضافة تعليق