المهندس بسام برغوت
القلب مركز الايمان، ومركز الحب والبغض، ومركز الطمأنينة والقلق والخوف، قال الله عزوجل في محكم الذكر: “ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ “ (سورة الأنفال)، وقال ايضاً: “ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ “ (سورة الرعد).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ“. واضاف عليه افضل الصلاة واتم التسليم: “لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبُه”.
وردت كلمة “قلب” في القرآن الكريم في 132 موضعا، وذكرت كلمة “الفؤاد” 18 مرة.
خلق الله تعالى الإنسان، وجعل له قلباً يميز به بين نوازع الخير ونوازع الشر، وإذا كان القلب صافياً اهتدى، واستنفر الجوارح لكل عمل يقرب إلى الله، وإن كان خبيثا أثّر ذلك على أعمال الجوارح فتسلك طريق الشر والفساد والضلال.
وكان أكثر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك”.
ومن الأدعية القرآنية قوله تعالى: “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا” (سورة آل عمران).
ويعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نحافظ على ثبات قلوبنا فقال: “بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا”. وهذا يستوجب أن يكون المسلم حريصا على قلبه من كل شائبة تحيده عن الاستقامة.
وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- العمى الحقيقي عمى القلوب عن الحق والانتفاع بالهدى، قال تعالى: “فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” (سورة الحج)، قال ابن سعدي رحمه الله عند تفسيره هذه الآية: ”أي: هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده، كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر، فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية”.
وسمي القلب فؤادا لِتَفَؤُّدِه، أي: توقده واحتراقه، وجميع الآيات التي ذكر فيها لفظ الفؤاد أو الأفئدة مكية، تحمل دلالة الاضطراب، أو الاحتراق، أو القلق، من ذلك قوله تعالى: “ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ“ (سورة القصص)، أي: فارغا من كلّ شيء، إلا من همّ موسى، وفيه قلق على ابنها. فلما أراد الثبات ورباطة الجأش، أعقب ذلك بقوله سبحانه: لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ“ (سورة القصص)، ومن ذلك قوله تعالى: “وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ“ (سورة الأنعام)، أي: إن أفئدتهم لا تعي شيئا ولا تفهم، فهي في حيرة وتردد، ومن ذلك قوله تعالى: “مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ“ (سورة ابراهيم)، أي: “متخرقةٌ لا تعي من الخير شيئا“.
وذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنواعا من القلوب الصحيحة، المتميزة عن القلوب السقيمة، ومدارها على عشرة أنواع وهي:
القلب المطمئن: قال تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (سورة الرعد).
القلب المنيب: قال تعالى: “مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ“ (سورة ق).
القلب الوجل: قال تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ“ (سورة الأنفا ).
القلب السليم: قال تعالى: “إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ“ (سورة الشعراء).
القلب اللين: قال تعالى: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ“ (سورة الزمر).
القلب الرحيم الرؤوف: قال تعالى: “وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً“ (سورة الحديد).
القلب الخاشع: قال تعالى: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ“ (سورة الحديد).
القلب الساكن الهادئ: قال تعالى: “هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ“ (سورة الفتح).
القلب القوي رابط الجأش: قال تعالى في قصة الفتية أصحاب الكهف: “وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا“ (سورة الكهف).
القلب المخبِت: قال تعالى: “وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ“ (سورة الحج).
ختاماً،
إن القلب وعاء التقوى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “التقوى ها هنا”، وأشار إلى صدره، ليدل ذلك على أن مكان التقوى هو القلب، والقلب وحده، فليست التقوى عبرةَ خشوعٍ أو دمعةً تخرجُ من عينٍ أو إطالةَ سجدةٍ، أو غير ذلك من المظاهر الفارغة من الخشوع والروحانية، إنما التقوى معنىً قلبي، وسرٌّ مستودع في القلب لا يطلع عليه أحد إلا الله. فلنجتهد في الاتقاء بقلوبنا إلى ما يرضي ربنا.
المهندس بسام برغوت