المهندس بسام برغوت
الغفلة من أخطر الآفات التي تصيب قلب الإنسان وعقله، وهي غياب الوعي واليقظة عن الحقائق الكبرى في الحياة، كالموت، والبعث، والآخرة، وواجبات العبد تجاه ربه. وقد حذّر القرآن الكريم والسنة النبوية من الغفلة في مواضع كثيرة، وبيّنا آثارها الوخيمة على الفرد والمجتمع، داعين إلى اليقظة الدائمة والتفكر في آيات الله والتزود بالتقوى.
مفهوم الغفلة
الغفلة في اللغة تعني الإهمال والنسيان والانشغال عن الشيء المهم. أما في المفهوم الإسلامي، فهي غياب القلب والعقل عن ذكر الله وطاعته، والانشغال بالدنيا وشهواتها حتى ينسى الإنسان هدف وجوده ومصيره الحقيقي. وهي لا تعني الجهل، بل تعني تجاهل ما يعلمه الإنسان من الحق، أو عدم الاستجابة له رغم معرفته.
وصفهم الله تعالى بقوله:” لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُوْلَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”(سورة الأعراف)
أنواع الغفلة
- الغفلة عن الله تعالى: وهي أخطر أنواع الغفلة، حيث ينسى الإنسان ربه ولا يذكره ولا يسعى لرضاه، فيعيش حياته وكأن لا حساب ولا عقاب. وقد حذر الله تعالى منها فقال: “وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ” (سورة الحشر)
- الغفلة عن الموت والآخرة:
بعض الناس يعيشون كأنهم خالدون، ينسون أن الموت آتٍ لا محالة، وأن القبر أول منازل الآخرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أكثروا من ذكر هادم اللذات” (رواه الترمذي)
- الغفلة عن النعم والشكر:
الإنسان الغافل لا يشعر بالنعم التي أنعم الله بها عليه، فلا يشكره عليها.
- الغفلة عن الحقوق والواجبات:
سواء كانت تجاه الله، أو الناس، فالغافل يضيع صلاته، ويهمل أهله، ولا يراعي الأمانة أو الصدق.
أسباب الغفلة
- كثرة الانشغال بالدنيا:
الانغماس في المال والوظيفة واللهو يجعل القلب ينسى آخرته.
- الصحبة السيئة:
تُبعد الانسان عن الفضائل وتشجعه على الرذائل.
- قلة ذكر الله وعدم التفكر بعظمته.
- الإفراط في المعاصي التي تظلم القلب وتزيد من الغفلة.
آثار الغفلة
- قسوة القلب: فيصبح لا يتأثر بالموعظة ولا يخشع في الصلاة.
- ضياع العمر: تمر السنوات دون أن يستثمرها في الطاعات.
- فساد الأخلاق: بسبب غياب المراقبة الإلهية.
علاج الغفلة
- الرجوع إلى الله بالتوبة الصادقة لتوقظ النفس من غفلتها.
- المواظبة على الصلاة والعبادات فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتمنح القلب طمأنينة ونورًا.
- ذكر الله كثيرًا:
قال تعالى: “وَاذْكُرْ رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ… وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ” (سورة الأعراف)
- صحبة الصالحين:
الجلوس مع أهل الإيمان والتقوى يُنعش القلب ويقوي الهمة.
- قراءة القرآن الكريم والتأمل في معانيه: فهو شفاء للقلوب ومنبه للضمائر.
- تذكر الموت والآخرة: بزيارة القبور، والتفكر في أحوال أهلها.
الغفلة في زمننا هذا
نعيش اليوم في زمن كثرت فيه وسائل الإلهاء والتشتيت: وسائل التواصل، الترفيه المستمر، الأخبار، والمظاهر. وأصبحت الغفلة نمطًا شائعًا، حتى بين من يعرف الحق. لذلك، فإن مسؤولية المسلم أصبحت مضاعفة، لحماية قلبه من هذا التيار الجارف، والعودة إلى جوهر الدين: الإخلاص لله، والعمل للآخرة، ومجاهدة النفس.
قال الحسن البصري: “ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام. وما زالت الغفلة بالناس حتى خاضوا في كثير من الحرام وهم يظنون أنه حلال.”
الغفلة وعلاقتها بالذنوب
من أهم ما يُوقع الإنسان في الغفلة هو الاستمرار في ارتكاب الذنوب دون توبة أو ندم. فكلما أكثر العبد من الذنب، ازداد حجاب قلبه عن الله، حتى يصبح القلب مظلمًا لا يتأثر ولا يخشع. وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: “إن العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” (رواه الترمذي).
وهذا يدل على أن الغفلة ليست فقط حالة نفسية، بل هي نتيجة أعمال متراكمة تؤثر في القلب حتى تقتل الحس الإيماني تمامًا.
الغفلة والتعلق بالدنيا
كثير من الناس اليوم جعلوا الدنيا غايتهم، ونسوا أن الله خلقهم لعبادته لا لجمع المال فقط أو نيل المناصب. فالانشغال المفرط بالماديات، والسعي الدائم خلف الشهرة أو النجاح الدنيوي، دون توازن روحي، يؤدي إلى حالة من الغفلة العميقة التي يصعب الخروج منها دون جهد ومجاهدة.
قال تعالى: “ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” (سورة الحجر)
دعاء للخروج من الغفلة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كثيرًا باليقظة والهدى، ومن أجمل الأدعية التي وردت: “اللهم لا تجعلني من الغافلين، وذكرني إذا نسيت، واهدني إذا ضللت، واجعل قلبي حيًا بذكرك.”
ختاماً، الغفلة خطر كبير يهدد قلب الإنسان وروحه، وهي أشبه بالنوم العميق الذي يحتاج إلى من يوقظه. وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحذرنا منها، وتفتح أمامنا أبواب التوبة واليقظة والنجاة. فلنحرص على أن نكون من الذاكرين الشاكرين، لا من الغافلين، ونتفكر في قول الله عز وجل: “اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ” (سورة الأنبياء ).
المهندس بسام برغوت