بقلم مروان اسكندر
مثل كل احد تنشر جريدة الفايننشال تايمز عددًا غنيًا بالمواد التحليلية وعدد 20/5/2024 اشتمل على مقال مطول لآراء رئيس اكبر شركة عقارية في العالم تملك ابنية وعقارات تبلغ قيمتها 112 مليار دولار تمتد من نيويورك الى لندن وباريس وجنيف والصين وهو مصرفي بريطاني معروف ويراس الشركة المعنية منذ سنوات.
يعتبر الخبير المعني ان سعر صرف الدولار مهدد لعدة اسباب نكتفي منها بسببين جوهرين. اولاً تعاظم الدين العام الاميركي بقرار من الرئيس الاميركي غير خاضع لتصديق الكونغرس كما حدث مؤخرًا حينما اقر الرئيس بايدن قرضًا بسيط الفوائد بقيمة 60 مليار دولار الى اوكرانيا علمًا بانه حول مبالغ اكبر في السابق، واصبح الدين المتراكم على الدولة الاميركية على مستوى 34 تريليون دولار، والتريليون يساوي الف مليار. وحرب اوكرانيا تتآكل الموارد ومواقع القوات الاوكرانية على تراجع خلال الاسابيع الاخيرة بحيث اصبحت روسيا تسيطر على المناطق الشرقية لاوكرانيا والتي تواجه الشواطئ الروسية عن قرب وكان الرئيس بوتين قد نبه اعضاء الناتو الى ان تجهيز اوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى امر خطير لروسيا ويجب ضبطه في اسرع وقت وعلى مدى 3 سنوات انتظر بوتين مباشرة ضبط تجهيزات الجيش الاوكراني دون نتيجة فكانت الحرب الحمائية لمصلحة روسيا.
السبب الثاني لتعريض قيمة صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الاخرى (مثل اليورو) وحتى الذهب يعود الى ارتفاع مستويات تعويضات العاملين في شركات تطبيق انظمة الذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال اقرت شركة آبل منح سيدة تعمل لدى الشركة على تسويق برنامج معين منحة بقيمة 17.8 مليون دولار، وقبل فترة سنتين اقدم احد مؤسسي شركة آبل على الطلاق من زوجته بعد زواج عشر سنوات او اكثر بمبلغ 250 مليون دولار، والسيدة المشار اليها اسست شركة مع سيدة اخرى لمساعدة الشركات الصغيرة برأسمال قدره من قبل السيدتين 500 مليون دولار.
بالمقابل نشر كاتب فرنسي اسمه Georges Ugeux كتابًا بعنوان بالفرنسية يمكن ترجمته العربية ان تكون: “الانهيار نحو الاحتراق للاسواق المالية” وقدم للكتاب الاقتصادي الذي كان رئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه يؤكد فيه ان محتويات الكتاب تستحق التوقف عندها، فالكاتب، وان كان فرنسيًا، تولج نيابة رئاسة New York stock Exchange وبالتالي ليس غريبًا او بعيدًا عن التحليل المالي والاقتصادي على نطاق عالمي، ويتابع تريشيه بادراج المقارنات التالية التي تعبر عن معرفة بالشأن المالي العالمي لا تتوافر للمعلقين الصحافيين.
يقول تريشيه: “نحن نمر بفترة غير عادية للاقتصاد العالمي، ذلك ان نمو البلدان المتوثبة من بلدان العالم الثالث تآكل قدرة العالم النامي على تحقيق النمو في اسواق المال، كما تبين الارقام التالية. يقول تريشيه ان تقارب معدلات الدخل بين البلدان الرئيسية والبلدان النامية بسرعة قد انخفض بشكل سريع. فعلى سبيل المثال اقتصاد البلدان ال7 الكبرى انخفض منذ عام 1990 بحيث اصبح يوازي بعد ان كان يساوي 70% من الاقتصاد العالمي سنة 1990 انحسر الى نسبة 45% عام 2005، و31.5% عام 2017 ومن ثم ستنخفض الى 27.5% عام 2023.
ومما لا شك فيه ان النسبة لانتاج البلدان ال7 الاهم ستنحسر الى 46% من الانتاج العالمي، وهذا الانحسار يعود في المكان الاول الى انخفاض مستويات الفقر في كل من الهند والصين”.
لقد اشرنا في السابق الى ان اقتصاد الهند عام 2024 تجاوز نسبة 8% في حين اقتصاد الصين حقق 6%، والاقتصاد العالمي للدول العشرين – اذا استثنينا معدلات الصين والهند ينخفض الى مستوى 2% على الاكثر. ونذكر بان سكان الصين 1.3 مليار نسمة والهند 1.4 مليار يشكلون نسبة 30% من سكان العالم الذين يتجاوز عددهم ال8 مليار.
يقول تريشيه الذي عايش ازمة 2008 التي نتجت عن سوء معالجة مشكلة بنك ليمان برذرز التي كانت في حدود 640 مليار دولار. وحسب تريشيه نحن نمر في فترة غير عادية فالنمو سابقًا كان في المكان الاول لدى البلدان النامية اي مجموعة البلدان ال7 وقد انضمت الى المجموعة روسيا على مستوى الدخل القومي ومعدلات الدخل الفردي
وذلك منذ عام 2007 واصبحت لفترة زمنية البلد المقصود للاستثمار وقد استجلبت شركات نفطية وشركة مرسيدس لصناعة السيارات والشاحنات.
عام 1990 كانت مجموعة الدول ال7 تمثل نسبة 70% من الدخل العام عالميًا واصبحت هذه النسبة توازي 45% عام 2005 والمقارنة مهمة عام 2005 اصبحت نسبة مشاركة الدول غير المصنفة ضمن قمة ال20 ممثلة لنسبة 46%. بكلام آخر معدلات النمو في البلدان النامية تجاوزت معدلات النمو في البلدان ال7 الكبرى اقتصاديًا وبالتالي وحسب الدور المهم للصين واليابان وروسيا في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكن توقع منافسة دول العالم خارج تشكيلة ال20 بحيث تقترب مستويات المعيشة في البلدان خارج كتلة ال20 الى نخبة بلدان العشرين ويصبح العالم اكثر عدالة.
اين هو لبنان؟
بالتأكيد لدينا بضعة مؤسسات يمكن ان تستفيد من الذكاء الاصطناعي ومنها مؤسسات تعليمية ذات انتشار دولي ومؤسسات صحية تحوز الكفاءات المطلوبة لكن الجهد المطلوب لتحقيق النتائج المرجوة لا تبدو ظاهرة حتى الان سوى لدى ربما 4 او 5 شركات، وبعض الشركات الكبرى لا بد وان تنسحب من السوق لان نتائجها لا تتماشى مع الخصائص الدولية.
البلدان التي حققت طموحات اهلها رغم ندرة رؤوس الاموال هي التي تحققت بأفكار قيادية رغم ظروفها المادية المحدودة. لبنان الذي كان يمثل في الستينات المثال الذي يريد تحقيقه رئيس سنغافورة، ونائب رئيس دولة الامارات بصفته اميرًا على دبي، وكان قد كتب في اول كتبه انه يريد ان يجعل من دبي البلد الثاني المتاخم للبنان سواء على صعيد الافكار او الاعمال.
انتهت فترة ال30 سنة ولبنان اصبح يشكو من تدهور الاوضاع البيئية وتراجع مستويات التعليم على الصعيد الابتدائي واثقال تعليم الاطفال السوريين الذين تفوق اعدادهم اعداد الاطفال اللبنانيين والبلد اصبح مريحًا لاصحاب العقول المحدودة لا غير سوى من يتمتعون بانوار الشمس ومياه البحر القذرة.
مروان اسكندر