بقلم خيرالله خيرالله
كشفت قمة الدول الصناعية السبع المنعقدة في إيطاليا، ثم المؤتمر الذي انعقد في سويسرا وجود قرار غربي بالتصدي لروسيا في أوكرانيا. يؤكد ذلك الموقف العام للدول السبع من جهة والإتفاق الدفاعي والعسكري الذي مدته عشر سنوات والذي وقعه الرئيس جو بايدن مع الرئيس فولوديمير زيلنسكي من جهة أخرى.
دخلت حرب أوكرانيا مرحلة جديدة مع إعلان أوروبا وأميركا أن الإنتصار الروسي ليس مسموحا به مع تشديد على «وحدة الأراضي الأوكرانيّة». ستقدم أوروبا مساعدات مالية ضخمة لأوكرانيا، فيما ستحصل أوكرانيا على مزيد من المساعدات والسلاح الأميركي المتطور. إلى متى تستطيع روسيا خوض حرب استنزاف معروف كيف بدأت وليس معروفا كيف ستنتهي؟ من الواضح أن الغرب قرر إدخال روسيا في حرب إستنزاف يعرف تماما أن لا شعبية لها في الداخل الروسي.
يظلّ أخطر ما في الأمر أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يترك امامه سوى خيار التصعيد، الذي لا افق له. إنّه تصعيد في غاية الخطورة في غياب القدرة لدى الرئيس الروسي على فرض أمر واقع، أي جعل العالم يقبل باحتلال روسيا لجزء من الأراضي الأوكرانيّة. لكنّ لديه خيارا آخر يتمثل في الرهان على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. قبل أيّام قليلة وجّه ترامب إنتقادات شديدة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي. وصف الأخير بأنّه «مدير مبيعات ناجح»، قائلا أنّه يسوّق أوكرانيا في الولايات المتحدة ويأخذ منها مليارات الدولارات. من الواضح أنّ بوتين، مثله مثل بنيامين نتانياهو، يراهن على عودة ترامب إلى البيت الأبيض لوقف أي دعم أميركي لأوكرانيا. ستكشف الأيام والأشهر المقبلة هل رهانا بوتين و»بيبي» في مكانهما.
الأهمّ من ذلك كلّه، في ما يخصّ الوقت الحاضر، أنّه تبيّن أن أحد إهمّ رجال الإدارة الأميركيّة الحالية على معرفة دقيقة بما يدور في الكرملين الذي يتحكّم به رجل واحد وحيد اسمه فلاديمير بوتين. المقصود هنا هو وليم بيرنز مدير وكالة اجلإستخبارات المركزيّة الأميركية (سي. آي. إي) الذي سبق له أن عمل سفيرا لبلاده في موسكو بين العامين 2005 و 2008. توقّع بيرنز سعي بوتين إلى إجتياح أوكرانيا. حدّد مسبقا اليوم الذي حصل فيه الإجتياح الفاشل الذي لا بدّ أن يدفع الرئيس الروسي ثمنه عاجلا أم آجلا.
لم يخسر بوتين حربه الأوكرانيّة فحسب، بل خسر مستقبله السياسي أيضا… إلّا إذا استطاع ترامب إنقاذه. لا يستطيع سياسي روسي، أو غير روسي، مهما بلغت درجة ذكائه، المحافظة، في المدى الطويل، على موقعه في حال لم يكن يعرف العالم ولا يعرف إمكانات روسيا نفسها.
من المفيد التذكير للمرّة الألف أنّ حجم اقتصاد روسيا دون حجم الاقتصاد الإيطالي. لا توجد أي آلة منزلية من انتاج روسي في أي بيت روسي. لا تنتج روسيا برّادا أو مكيّف هواء أو غسالة… أو سيّارة يمكن وصفها بالمحترمة. لم يخرج اقتصادها من الإعتماد على الدخل الآتي من الغاز والنفط. لم يستطع بوتين تحويل الاقتصاد الروسي إلى إقتصاد منتج، مثله مثل النظام الإيراني بعد ثورة العام 1979. كلّ ما استطاعه بوتين بعد دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث تحويل بلاده إلى تابع للصين.
ارتكب فلاديمير بوتين كلّ الأخطاء التي يمكن لسياسي ارتكابها. وصل به الأمر، في نهاية المطاف، إلى الإرتماء في الحضن الإيراني وذلك قبل إرتمائه في الحضن الصيني. تبيّن أنّ كلّ ما تستطيع المسيرات الإيرانيّة عمله هو قتل مزيد من المدنيين وضرب محطات الكهرباء في أوكرانيا وزيادة العذابات اليوميّة للمواطن العادي، لا أكثر. لا تستطيع هذه المسيّرات سوى تحقيق هدف استمرار الحرب.
لم يدرك الرئيس الروسي، منذ البداية، أنّ الحرب الأوكرانيّة هي حرب تعني أوروبا كلّها. لم يلق نظرة إلى خريطة أوكرانيا وموقعها الجغرافي قبل دخول مغامرته التي بناها على تجارب سابقة لم تكن تهمّ العالم. من بين تلك التجارب إخضاع الشيشان والتدخل في جورجيا واحتلال شبه جزيرة القرم في العام 2014 ثمّ المشاركة، بناء على طلب إيراني، في الحرب على الشعب السوري ابتداء من خريف العام 2015.
لم يدرك فلاديمير بوتين، ولن يدرك يوما، أنّ قتل السوريين وتشريدهم شيء وقتل الأوكرانيين وتشريدهم شيء آخر. إنّه بكل بساطة رجل لا يعرف العالم ولا يعرف أنّ في استطاعته قتل العدد الذي يشاء من السوريين، فيما دخوله إلى أوكرانيا يجعل كلّ دولة أوروبيّة تشعر بأنها صارت مهددة، تماما كما حصل في العامين 1938 و 1939 عندما بدأ ادولف هتلر يتمدّد أوروبيا.
لم يعد سرّا أن العالم كلّه يعاني جراء الحرب الأوكرانيّة. ثمّة حاجة إلى إيجاد مخرج أو تسوية تؤكّد أنّ ليس مقبولا استيلاء روسيا على أي أرض أوكرانيّة. هل لدى الرئيس الروسي إستعداد لمثل هذه التسوية، التي تعني بين ما تعنيه، أن استعادة امجاد الإتحاد السوفياتي مجرّد أوهام؟ إلى الآن، يبدو الطرح الروسي مشابها للطرح الإسرائيلي. تريد روسيا تسوية تقوم على وجود أمر واقع يتمثل في احتلالها نحو خمس الأراضي الأوكرانيّة. تريد إسرائيل بدورها فرض إحتلالها للأراضي الفلسطينية كأمر واقع. هل مسموح بذلك في القرن الواحد والعشرين… أم أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستجعل كلّ شيء ممكنا!
خيرالله خيرالله