طوني جبران
توسعت مروحة السيناريوهات التي تحاكي مصير سلاح المقاومة وشكل المفاوضات المطلوبة للبت بمصيره، طالما ان هناك قناعة بدأت تترسخ لدى العديد من المراجع السياسية والديبلوماسية ان النقاش في هذا الموضوع تجاوز الحديث عن تسليمه الى الجيش والقوى الأمنية المختلفة لينحصر بالتوقيت المناسب لتنفيذ القرار ووضع الآلية الواجب اعتمادها. وهو ما عبرت عنه المعلومات التي تحدثت عن حوار من المفترض ان يجري بين رئيس الجمهورية مع قيادة حزب الله لإقفال الملف في أقرب فرصة ممكنة قبل البحث في اي خطوة لاحقة أخرى.
وتعليقا على مصير هذه المعادلة التي بقيت سارية المفعول حتى الايام القليلة الماضية، كشفت مراجع مطلعة لـ”المركزية” ان هناك مستجدات طارئة أدت الى فرملة البحث في هذه الأفكار المطروحة الى درجة اعتبرت انها باتت من الماضي. وهو ما ترجمته المواقف التصعيدية التي انطلقت قبل اسبوع تقريبا بطريقة متدرجة بدأت ببعض التسريبات التي تولت تسويقها بعض وسائل الاعلام التي رسمت سيناريوهات خطيرة وضعت الطائفة الشيعية في عين العاصفة بطريقة درامية. وتوزعت بين الحديث عن مخاطر متاتية من الساحة السورية وفي تفسيرها لبعض الاحداث المتفرقة على الحدود اللبنانية – السورية بين مجموعات من المهربين والفارين وتم تسويقها على انها تستهدف الطائفة لتتلاقى في اهدافها مع استمرار الخروقات الاسرائيلية وعمليات الاغتيال التي استهدفت مسؤولين وعناصر من الحزب وحركة حماس في اكثر من منطقة جنوبية، وصولا الى عمق الضاحية والبقاع الشمالي.
على هذه الخلفيات، أضافت المصادر ان بوادر التنصل من التفاهمات التي كشف عنها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، ولا سيما تلك التي أطلقها أمام وفود خليجية وغربية معلنا بأن العام 2025 سيكون “عام اقفال الحديث عن السلاح غير الشرعي” معطوفة على المناقشات التي شهدتها آخر جلسة للحكومة عقدت في قصر بعبدا قبل عشرة ايام والتي خصصت للبحث في ما انجزه الجيش اللبناني في منطقة جنوبي الليطاني استنادا الى العرض الذي قدمه قائد الجيش العماد رودولف هيكل وما يجري التحضير له لجمع السلاح اللبناني والفلسطيني المتفلت في بعض المخيمات وخارجها، فتدرجت المواقف رفضا لهذه الخطوات، وصولا الى استحالتها مرفقة بالتهديد بقطع يد من يفكر باستهداف هذا السلاح.
وتضيف هذه المراجع لتقول إن هذه المواقف السلبية لم تقتصر على ما صدر عن بعض المنظرين من بيئة المقاومة ومحيطها، ممن لا يحملون اي صفة حزبية، فتدرجت المواقف باتجاه التصعيد في الشكل والمضمون على مستوى مسؤولي الحزب ونوابه في بعض المناسبات التأبينية لتصل الى ذروتها في الخطاب المفاجىء للامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم مساء يوم الجمعة الماضي وتغريدة السفير الايراني في بيروت مجتبى اماني التي رفعت من منسوب القلق على مصير الخطوات الايجابية المتوقعة فور اقفال الحديث عن مصير هذا السلاح. ولا سيما تلك التي تتناول برامج إعادة الإعمار وفي مشاريع حيوية لا بد من القيام بها لتأمين عودة الأهالي الى بعض القرى الجنوبية.
ولما لم تنفع بعض المبادرات في استيعاب هذه المواقف وتطويق نتائجها السلبية التي تردد صداها السلبي في العواصم الخليجية والغربية الداعمة للبنان، فقد ظهر جليا أن اي خطوة انمائية والعمارية باتت رهن ما يمكن تحقيقه من الأمن والاستقرار في لبنان، ليس على مستوى الجنوب فحسب انما في مختلف الاراضي اللبنانية وحتى التثبت من عدم وجود اي سبب يغذي الخطوات الاسرائيلية التصعيدية التي واصلت خروقاتها واستهدافاتها على الأراضي اللبنانية استنادا لما نالته من ضمانات اميركية خارج اي تفاهم تم التوصل اليه ولا ٠ العسكرية في غياب رئيسها الجنرال الاميركي جاسبر جيفرز عن لبنان لاسباب غير معلنة منذ 11 آذار الماضي حتى اليوم.
وقبل ان تنجح المساعي التي بذلت لإنهاء المفاعيل السلبية لهذه المواقف جاء موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أيام قليلة ليزيد في الطين بلة بعدما عبر بطريقة فجة في اطلالة اعلامية عن رفضه للخطوات التي تحدث عنها رئيس الجمهورية بطريقة نسفها من أساسها وهو الذي كان يراهن على دور له في الحوار المطلوب مع حزب الله باعتباره “الأخ الأكبر” للحزب لانهاء النقاش حول موضوع السلاح على كامل الاراضي اللبنانية. وهو ما أوحى بأن هناك ما يشبه “الانقلاب الشيعي الشامل” على التعهدات السابقة التي كانت قد قطعت في المفاوضات التي كانت جارية عبر مسؤولين واصدقاء مشتركين كانوا قد انتهوا الى السيناريو الإيجابي الذي تم تجميده الى أمد لا يمكن التكهن بمصيره.
وفي ظل صعوبة التكهن بما يمكن ان تنتهي إليه جهود رئيس الجمهورية الذي تعهد بالحوار المباشر مع “حزب الله” لمعالجة هذه العقدة ودعواته المتكررة لابقاء هذا الملف من ضمن الغرف المغلقة ووقف التداول به عبر وسائل الإعلام، عبرت مراجع ديبلوماسية وسياسية عن قلقها من النتائج المترتبة على استمرار رفض اي خطة تتناول مصير هذا السلاح، بعدما ربط الثنائي الشيعي مصيره بـ”مطالب تعجيزية” قد تؤجل البحث به لسنوات مقبلة في ظل حال الترقب الدولية لما يمكن ان يحققه أهل الحكم في لبنان. فلا ينسى ان المطلوب منهم اقليميا ودوليا اثبات قدرتهم على الإلتزام بما تعهدوا به على مستوى السلطات كافة لتبنى على كل خطوة ايجابية اخرى مماثلة.
وبناء على ما تقدم ،كشفت المراجع الديبلوماسية والسياسية عن تحذير إقليمي ودولي ينبه اللبنانيين باستحالة تكرار التجربة الكاذبة التي عاشها لبنان ما بين آب من العام 2006 تاريخ صدور القرار 1701 وانطلاق حرب “الإلهاء والإسناد” في تشرين الأول عام 2023 التي تكرر فيها الحديث عن التزام الحزب بما تقرر من عدم استخدام منطقة جنوبي الليطاني مسرحا للتسلح غير الشرعي على مدى 17 عاما قبل ان يعلن بأن الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” جمعوا الاسلحة من أكثر من 500 موقع عسكري له حتى الأمس القريب. وهي عملية أثبتت حجم الأكاذيب التي عاشها اللبنانيون طيلة هذه السنوات على وقع الإسراف في تعداد الخروق الاسرائيلية التي تكررت يوميا بالآلاف برا وبحرا وجوا.