بقلم عماد الدين أديب
«أساس ميديا»
بصرف النظر عن نتائج المناظرة الأولى بين ترامب وبايدن في أتلانتا، الفائز المؤكّد في كلّ الأحوال هي إسرائيل.
في الشقّ الخاصّ بالسياسة الخارجية كان التنافس السياسي لإثبات أيّ من الرجلين أكثر أو أقلّ عطاء لإسرائيل بحربها العدوانية على غزة.
بالنسبة للمنطقة العربية، والمسألة الفلسسطينية وتوازن الشرق الأوسط، فإنّ مسار المناظرة ينبئ بأنّ مستقبل العلاقات الأميركية العربية ليس أمامه سوى المفاضلة بين الرئيس الحالي المرتبك المتردّد المشارك في العدوان الإسرائيلي المهادن لإيران، مقابل منافس يزايد على منافسه في حجم الدعم لإسرائيل والضعف أمام إيران ويطالب بعدم الضغط على إسرائيل والسماح لها باستكمال عملياتها العسكرية.
قواعد المناظرة
ماذا حدث في هذه المناظرة؟
عقدت المناظرة بناء على اتفاق بين فريقي بايدن وترامب شمل موعدها وقواعدها ومدّتها وتاريخها، وقد لا يعرف البعض أنّ مطلب إجراء المناظرة جاء من بايدن وليس من ترامب.
كانت قواعد المناظرة على النحو التالي:
1- الوقت: 90 دقيقة.
2- المكان: أتلانتا بجورجيا.
3- عدد المناظرات: اثنتان، الأولى في حزيران والثانية في أيلول.
4- قواعد الحوار: سؤال لكلّ طرف ولا يحقّ للطرف الثاني المقاطعة، ويتمّ فصل الصوت عن “ميكروفون” المقاطع خلال إجابة المنافس.
5- مدير الندوة: قناة CNN من خلال مذيع ومذيعة.
6- يُمنع اصطحاب أيّ من المساعدين ويُسمح بدعوة ضيف واحد فقط من العائلة.
7- أمام كلّ ضيف ورقة وقلم وزجاجة ماء فقط، ولا يُسمح بحمل مذكّرات أو موادّ مساعدة أو إحصاءات.
8- المسافة بين الطرفين 8 أقدام.
9- المناظرة بلا جمهور.
بداية دون مصافحة
بدأت المناظرة بتقديم بايدن، الذي قام بتحيّة مقدِّمَي الحوار. تمّ تقديم ترامب الذي لم يقُم بتحيّة المحاورين.
لم يصافح أيّ من المرشّحين الآخر أو يسعى إلى ذلك حتى بالتحيّة اللفظية أو بأيّ إيماءة.
سار الحوار مع ارتباك واضح للمرشّح بايدن، فكان صوته ضعيفاً وتلعثم في الكلام ولم يكن لديه ترتيب في الأفكار.
بالمقابل، كان المرشّح ترامب هادئاً، قويّاً، مبادراً إلى الهجوم، متجاهلاً تماماً وجود منافسه، فركّز على مخاطبة الجمهور من خلال النظر للكاميرا.
في الدقيقة الـ43 فقط تذكّر بايدن استدعاء مسألة التهم الجنائية الموجّهة لترامب، وتلك كانت محور “التكتيك الهجومي” الذي نصح به مستشارو بايدن في هذه المناظرة.
كان محور استراتيجية ترامب قائماً على:
1- أنّه نجح أثناء فترة حكمه في منع روسيا وإيران وحماس من تجاوز الولايات المتحدة.
2- أنّ ضعف شخصية منافسه بايدن هو الذي شجّع روسيا وإيران وحماس على أعمالهم العسكرية.
3- أنّ تخفيف القيود على إيران هو الذي مكّن إيران من إمداد حماس بالمال الذي أدّى إلى 7 أكتوبر.
4- أنّ الانسحاب الأسوأ للولايات المتحدة من أفغانستان، على حدّ وصف ترامب، هو الذي أعطى إشارة لبوتين إلى ضعف إدارة بايدن وشجّعه على غزو أوكرانيا.
ركّز ترامب على قدراته اللانهائية في إنجاز كلّ شيء وأيّ شيء، مثل تحسين الاقتصاد ورفع مستوى الرعاية الصحّية وإيقاف الهجرة غير الشرعية وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية سريعاً، وضبط العلاقة مع الصين، وإيقاف نزيف المساعدات لأوكرانيا ودعم إسرائيل بلا حدود لاستكمال عملياتها ضدّ حماس.
بالمقابل، كان أداء بايدن الباهت يركّز على:
1- أنّه ورث تركة اقتصادية سيّئة من فترة حكم ترامب.
2- أنّه حقّق نتائج باهرة في ملفّ “كوفيد” الذي خلّفه ترامب.
3- أنّه دافع عن مبادئ الديمقراطية بوقوفه ضدّ سياسات بوتين.
4- أنّه قدّم خدمات اجتماعية ودعماً صحّياً للمواطنين غير القادرين بأسلوب أعطى الفقراء وأخذ ضريبة المجتمع من الاغنياء.
5- أنّ بايدن هاجم ترامب ووصفه بـ”الكاذب”، “الصعلوك”، “قطّ الشوارع”، “المتحرّش جنسياً”، “الفاشل”، واتّهمه بأنّه الشخص الوحيد في هذه القاعة الذي يمتلك سجلّاً إجرامياً بحكم محكمة أدانته.
المؤلم إنسانياً هو ظهور أعراض الخرف في الذاكرة وضعف الإدراك وجمود التركيز عند الرجل في مواضع عدّة.
قبيل دقائق من نهاية المناظرة انفجرت السوشيل ميديا الأميركية تتحدّث عن الأداء الباهت لبايدن الذي أصاب مناصريه وجمهور الحزب الديمقراطي بالذعر. في الوقت ذاته خرج جمهور ترامب معلناً الفوز المبكر لمرشّحه متوعّداً بايدن بهزيمة في معركة الرئاسة.
المعلومات الواردة تؤكّد:
– أوّلاً: بدء بعض أقطاب الحزب الديمقراطي بالدعوة إلى التشاور للإجابة على السؤال التالي: هل يجب علينا محاولة إقناع الرئيس بايدن بالانسحاب من سباق الرئاسة وتسمية مرشّح ديمقراطي آخر يمتلك صفة الشباب والطاقة ولديه القدرة على مواصلة السنوات الأربع المقبلة بكفاءة؟
– ثانياً: طالبت “نيويورك تايمز” ذات الهوى والميل الديمقراطي الرئيس بايدن بالانسحاب والتنحّي من أجل تاريخه وأسرته وحزبه ومصلحة وطنه.
– ثالثاً: طالب توماس فريدمان في مقاله الرئيس بايدن قبول النصيحة من صديق لصديق بأن يتنحّى.
– رابعاً: بدأ كبار الداعمين والمتبرعين لحملة بايدن في إعادة الحسابات في تقدير موقفهم من الاستمرار في الدعم.
مع الإشارة إلى أنّ بايدن حصل حتى الآن على 224 مليون دولار مقابل 193 مليون دولا حصل عليها ترامب.
– خامساً: أفادت دراسة قانونية وفتوى سياسية عقب المناظرة أنّ الوضع القانوني لبايدن الآن هو أنّه بلا شكّ مرشّح الحزب الديمقراطي للسباق الرئاسي بعدما حصل على أصوات مندوبي المجمّع الانتخابي للحزب الديمقراطي في كلّ الولايات.
بناء على هذا الوضع فإنّ الحالة الوحيدة التي يمكن فيها إخلاء منصب المرشّح الرئاسي بايدن هي أن يكون قرار التنحّي منه شخصياً وليس ممكناً أن يكون بقرار حزبي على أيّ مستوى.
بالتالي بايدن وحده يمكنه أن يعزل بايدن. وتردّد في الحزب الديمقراطي أنّ الزوجين باراك وميشيل أوباما وحدهما يمتلكان قدرة إقناع بايدن بالانسحاب.
الردّ الفوري على هذا الأمر جاء ببيان من حملة بايدن تنفي أيّ نيّة للانسحاب وتؤكّد استعداده للمناظرة المقبلة في أيلول. وجاء الردّ أيضاً من بايدن نفسه الذي حضر لقاء جماهيرياً حاشداً اعترف فيه بأنّه قد يكون قد شاخ أو لم يعد يمتلك أداء جماهيرياً كما في الماضي، لكنّ الأمر المؤكّد أنّه صادق ولا يكذب مثل ترامب.
بعد 3 ساعات من الآثار السلبية للمناظرة على بايدن تمّ استدعاء نائبة الرئيس كامالا هاريس كي تضمّد الجراح وتدافع عن بايدن.
خلاصة القول:
– أوّلاً: هذه واحدة من أشرس المناظرات التي استُخدمت فيها عبارات حادّة وسادها توتّر استثنائي غير معتاد بين مرشّحَي رئاسة يكره ويحتقر أحدهما الآخر.
– ثانياً: سواء فاز هذا أو ذاك فالعالم سيكون أكثر ارتباكاً لخلوّ كلّ منهما من برنامج حقيقي.
– ثالثاً: الشرق الأوسط ليس في دائرة الاهتمام إلا من زاوية حماية وخدمة إسرائيل بأيّ شكل من الأشكال.
ماذا عن نتنياهو؟
السؤال الأخير: أين سيضع نتنياهو رهانه السياسي: على بايدن أم على ترامب؟
الإجابة سوف نجدها في فحوى خطاب نتنياهو في الجمعية الخاصة (الكونغرس)، وحينها سوف نعرف هل قرّر نتنياهو الحفاظ على بايدن المتعاطف الديمقراطي أم قرّر التخلّص منه لمصلحة ترامب المتعاطف بلا حدود الذي سيوقّع له شيكاً على بياض.
شهر عسل نتنياهو مع بايدن ستكون مدّته الـ135 يوماً المقبلة حتى حسم الرئاسة، وأمّا مع ترامب فيبلغ شهر العسل الـ135 يوماً والـ4 سنوات الرئاسية.
عماد الدين أديب