بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
هي أيام مفصليّة. والكلام فيها دقيق للغاية. غير أنّ الوقائع على الأرض بعد فشل المفاوضات وعودة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن إلى واشنطن من دون الوصول إلى حلّ تقود إلى خلاصة واحدة: التصعيد مقبل حتماً.
غير أنّ الجديد في المعطى الدولي هي الحملة الرئاسية للحزب الديمقراطي وانتهاء مؤتمر الحزب يوم الخميس الفائت. ولهذا أثر كبير في تحرّر كامالا هاريس من مسؤولية أيّ خطوة يقوم بها البيت الأبيض، وتحرّر جو بايدن من الحملة وعودته إلى مكتبه حيث ستكون مهمّته الأخيرة هناك “حسم الحرب في المنطقة لمصلحة أميركا”.
عنوان المرحلة: التّصعيد
لا حرب شاملة في المنطقة. هكذا تؤكّد مصادر دبلوماسية لـ”أساس”، أوّلاً على اعتبار أنّ إيران لا تريد الحرب، وهي تحتفظ بردّها على اغتيال إسماعيل هنية في “المكان والزمان المناسبين”، وثانياً على اعتبار أنّ واشنطن لا تريد الحرب، لكنّها تريد إعادة رسم الخطوط الحمر بشكل أدقّ وتحديد السقوف المسموحة في مفهومها للّعب السياسي تحتها وعدم تخطّيها. وهذا ما ستحقّقه واشنطن في سياسة العصا من خلال أسطولها الحربيّ الضخم الجاهز لحسم أيّ حرب بشكل سريع، وبسياسة الجزرة من خلال دبلوماسيتها الحاضرة في المنطقة.
في المقابل، عدم التدحرج إلى حرب كبرى لا يعني وقف التصعيد على الجبهات المشتعلة. لا بل العكس. فقد أكّدت مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس” ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه من أنّ الحرب في غزة مستمرّة مع تمسّك الأخير بخطّ فيلادلفي الذي يمسك بالحدود والمعبر مع مصر وبخطّ نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها.
أمّا عن لبنان فتقول المصادر نفسها إنّ التصعيد مستمرّ كما سبق أن شهد اللبنانيون في الليالي الماضية. وذلك عبر استهداف قيادات ميدانية ومخازن أسلحة تابعة للحزب. لا بل إنّ بعض المعلومات تتحدّث عن مفاجآت في نوعية الاستهدافات المقبلة التي ستقوم بها إسرائيل والتي ستطال البنية الأساسية للحزب أيضاً. وبالتالي حرب إسرائيل على لبنان ليست مرتبطة بحرب غزة في المفهوم الإسرائيلي. وكما سبق أن ذكرنا في موقع “أساس”، فإنّ ربط الحزب بين غزة ولبنان لا يعني إسرائيل، فحرب تل أبيب قائمة، وتصعيدها ليس مرتبطاً حتى بردّ الحزب على اغتيال قائده الميداني فؤاد شكر.
عليه ترتبط الحرب التي تشنّها إسرائيل على الحزب بتحقيق “الأمن المستدام” على الحدود لضمان سلامة المستوطنات الشمالية، وتطبيق القرار 1701 وتراجع الحزب إلى شمال الليطاني وترسيم الحدود.
أمّا ردّ الحزب على اغتيال شكر فتعود وتؤكّد مصادر مقرّبة منه أنّ الردّ آت حتماً، لا سيما بعد فشل المفاوضات.
في المقابل تتحدّث المصادر عن أنّ نتنياهو سيتلقّف ردّ الحزب بدقّة، فإذا ضرب تل أبيب فستضرب بيروت، وإذا تخطّى الردّ الخطوط الحمر في مفهوم نتنياهو فإنّ القصف الإسرائيلي المركّز لن يقتصر على أهداف تابعة للحزب بل سيتخطّاه إلى أهداف لبنانية عامّة.
بالتالي، ستشهد الساحة اللبنانية في الأيام المقبلة مزيداً من التصعيد بانتظار حسمٍ ما تتحدّث المصادر بأنّه سيأتي من واشنطن.
بايدن متحرّراً: للحسم قبل 5 نوفمبر/ تشرين الثاني
انتهى مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي قبل في ختامه ترشيح كامالا هاريس لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية. وهذا يعتبر محطّة مفصلية في واشنطن، أوّلاً لأنّ كامالا تتحرّر من مسؤولية قرارات البيت الأبيض لأنّها بدأت حملتها خارجه كمرشّحة رئاسية، وثانياً لأنّ بايدن أيضاً يتحرّر من مؤتمر حزبه الانتخابي ويعود إلى البيت الأبيض ليمارس مهامّه الرئاسية حتى انتهاء ولايته. وعليه تتحدّث مصادر دبلوماسية غربية بأنّ مسار المماطلة في المفاوضات والإيجابيات التي نشرتها واشنطن حول النتائج المرجوّة لم تكن من عبث. بل إنّ خارطة طريق بايدن كانت شراء الوقت حتى انتهاء المؤتمر وانفصال مساره عن مسار كامالا لعدم تحميلها تداعيات قراراته اللاحقة.
بناء عليه، قرّر بايدن أن يحسم هذه الحرب قبل خروجه من البيت الأبيض. وذلك سيحصل عبر تصعيد كبير لن يتدحرج إلى حرب كبرى وطويلة.
في خطّة بايدن سعيٌ إلى التوصّل إلى ميزان جديد للمنطقة من خلال إضعاف إيران وحلفائها في المنطقة من خلال ضرب أوراق القوّة لديها، ثمّ دعوتها إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي أكثر ضعفاً لفرض حلّ على المنطقة يحقّق مصالح واشنطن أوّلاً.
تحقيق ذلك يستدعي السعي إلى إنجاز ثلاثة عناوين:
1- فرض هدوء نسبي في غزة بعد شبه الانتهاء من العمليات الكبيرة، لكن من غير انسحاب إسرائيلي، بل وضع خارطة طريق لليوم التالي لأنّ حرب غزة لن تنتهي في المدى المنظور. وقد بدأت بوادر ذلك تبدو في قبول حماس بانتشار قوات أمنيّة تابعة للأمم المتحدة في غزة بدل انتشار الجيش الإسرائيلي.
2- تعزيز فرص فصل جبهة غزة عن لبنان بحكم الأمر الواقع، وهو التصعيد الذي لن يحتمله لبنان ولا الحزب، وسيوفّر له المخرج من أجل ذلك.
3- تحضير أرضية المفاوضات مع إيران لبايدن أو لخليفته هاريس مع فوارق كبرى في موازين القوى بعد إضعاف إيران ومراكز قوّتها.
بالتالي، بين الحرب والدبلوماسية، تقول المصادر الدولية إنّه بانتظار الحسم التحضيري للجلوس إلى الطاولة، ستستطيع إسرائيل وخلفها الولايات المتحدة تحقيق جزء كبير من لائحة أهدافها التي وضعتها منذ بداية هذه الحرب.
على الرغم من الاختلال العميق في موازين القوى يدرك بايدن أنّ إخراج الحلّ يتطلّب توزيع الأرباح وإن كانت متفاوتة جداً هذه المرّة.
ما هي خارطة طريق الحلّ الذي يتطلّب إخراج معادلة “رابح – رابح” بحسب مفهوم كلّ واحد من الأطراف لـ”الانتصار”؟ لهذا مسار طويل ووقائع مقبلة ستظهر قريباً.
جوزفين ديب