كتب عوني الكعكي:
أشرنا في حلقة الأمس الى ما خلفته عملية “طوفان الأقصى” من آثار سلبية على الوضعين الاقتصادي والمالي في إسرائيل… وذكّرنا بما قلناه مراراً، من أنّ أبطال المقاومة الفلسطينية، أبطال “طوفان الأقصى”، لقّنوا العدو الاسرائيلي دروساً لا تُنسى في الصمود والعنفوان والإباء.. وهم بعمليتهم التي قاموا بها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أثبتوا أنّه بالإيمان العميق بالله وبالقضية، وبالإرادة الصلبة، أنّ العين قادرة على مقاومة المخرز أحياناً، حين يتعرّض مصير شعب الى الإبادة..
كذلك أبرزنا ما قادنا الى التفكير بهذا الموضوع من خلال اطلاعنا على ما قاله الخبير الاقتصادي الكبير، والذي أثبت رأيه بالأدلة والبراهين والأرقام: “إنّ أبطال طوفان الأقصى دمّروا الوضعين المالي والاقتصادي في إسرائيل، ما أفقد العدو “أعصابه” وبات يقصف بعنف وعشوائية، متناسياً حقوق الانسان تماماً”.
وفي الحلقة الثانية اليوم، نتابع ما بدأناه بالأمس مركزين على ما قاله الخبير الاقتصادي الذي تلاقت أفكاره مع أفكارنا حول أهمية عملية “طوفان الأقصى” التي كان لا بدّ منها لإحياء القضية الفلسطينية وتكبيد العدو الاسرائيلي خسائر بشرية ومادية غير محدودة… فالحرب المستمرة لم تتسبب فقط بخسائر مادية في الكيان، بل ضربت “الهوية البنيوية”، وضرب الهوية لا يمكن تعويضه من قِبل الولايات المتحدة أو أوروبا.
وأوضح أنّ أزمة الهوية ظهرت في إفشال مشاريع عدّة أبرزها: الممر الهندي ويستثني مصر وتركيا والعراق وقناة السويس وسوريا. كما أنّ مشروع “نيوم” تراجع بنسبة %90 بسبب ارتباطه بوجود إسرائيل التكنولوجي.
لقد أضحت الأماكن السياحية في الكيان الاسرائيلي المغتصب مناطق موت كاملة… أي انها لا تحتوي اليوم على أي إنتاج. وتلك المناطق تضم قضايا اقتصادية أساسية، أبرزها: ان حوالى %30 من شركات التكنولوجيا الموجودة في كامل الكيان أقفلت، ولم يعد لها وجود… كذلك أكبر معمل لتعليب المنتجات الزراعية، والذي يغطي %40 تقريباً من السوق في الكيان الاسرائيلي أقفل بالكامل.
أضاف الخبير الاقتصادي: إنّ الصدمة التي تلقتها إسرائيل منذ بدء ملحمة “طوفان الأقصى” أثرت بشكل مباشر على اقتصادها الذي حاولت بناءه على مدار السنوات الماضية.. فالاقتصاد في الكيان الاسرائيلي مرّ بعدّة مراحل أهمها:
أولاً: التي انطلقت في عام 1985، حين جرى العمل بشكل جدّي على مشروع اقتصادي إسرائيلي، وأصبحت هناك أسواق خارجية تفتح -ولو سرّاً- أبوابها للبضائع الاسرائيلية.
ثانياً: إنّ انهيار الاتحاد السوڤياتي وقدوم مليون روسي الى إسرائيل مع كل إمكاناتهم المالية ساعد في هذا الشأن. فأتت مجموعة من الكفاءات المالية والعلمية واستطاعوا من خلال ذلك إقامة “منطقة اقتصادية” ترافقت مع مشروع الشرق الأوسط الذي طرحه شيمون بيريز.
وأشار الخبير الاقتصادي الى ان كل هذه القضايا تأذّت بعد “طوفان الأقصى”.. إنّ ما حدث، يعتبر المرة الأولى التي يكون فيها العامل الداخلي هو الأساس.
كل هذا أدّى الى تسريح جزء كبير من الاحتياط بعدما تم استدعاؤهم، لأنّ قطاعات التكنولوجيا والطاقة لم تعد لديها اليد العاملة الأساسية والكفاءات التي يراوح عمرها بين 18 و40 سنة.
هذا ما كتبه الخبير الاقتصادي… وهنا أضيف الى ما قلته إنّ أبطال “طوفان الأقصى” سطّروا ملاحم بطولية، لقد تسبّبوا بزعزعة أركان الكيان الاسرائيلي.
فالاسرائيليون لم يعتادوا على “النزوح”، إذ كان النزوح مصطلحاً لصيقاً بالفلسطينيين والعرب في الأماكن التي تطالها الاعتداءات الاسرائيلية. لكن وبعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) بات الاسرائيليون ينزحون أيضاً، إشارة الى ان أعداداً كبيرة من الاسرائيليين فاقت الـ700 ألف شخص نزحوا داخل إسرائيل وباتوا مستوطنين مهجرين.. وخير دليل على ذلك، ان مدينة سديروت أُخليت بالكامل، وهي تضم أكثر من 20 ألف مستوطن.
إنها نتائج عملية “طوفان الأقصى” التي لا يمكن إغفالها… فليصمت كل من ينتقد هذه العملية التي أعادت بالتأكيد: الكرامة والعزّة للفلسطينيين وأحيت مشروع الدولة الفلسطينية الذي كان نسياً منسياً.
“عملية طوفان الأقصى” كانت عملية بطولية بكل المقاييس، ناجحة نجاحاً باهراً، إذ أعادت الهيبة للعرب وللمسلمين.. وأثبتت أنّ أبناء فلسطين لن يتهاونوا بحق قضيتهم… وهم وإن طال الزمن أو قصر، قادرون على الوصول الى الأهداف التي يؤمنون بها، ويناضلون من أجلها… حتى أنّ الأجيال المقبلة، قادرة على متابعة الطريق أيضاً، بالمبادئ نفسها وبالعزيمة نفسها… لأنّ كل طفل فلسطيني تشرّب حُب فلسطين وقداسة قضيتها منذ نعومة أظفاره.