بقلم د. باسم عساف
على مرِّ التاريخ، فقد إلتصقت تهمة القتل والإغتيال والغدر باليهود، الذين إمتهنوا هذه الوسيلة للوصول إلى غايتهم بالتسلط والهيمنة، لأنهم يعتقدون بما جاء في التلمود، الذي كتَبَه أحبارُهم لأجل التنفيذ على الأرض، وإمتلاك هذه المسؤولية، مهما كان الثمن، وقد سجَّل التاريخ العديد من أحداث القتل، والإغتيالات للأنبياء والصالحين، والقادة المتولين للسلطات أو المسؤوليات الحربية والمدنية، وأبرزهم ما فعلوه بالسَّيٌِد المسيح عيسى بن مريم، كما حاولوا تسمِيم وقتل الرسول محمد(ص) وكما إغتالوا الصحابة عمر وعثمان وعلي، والكثير من أمثالهم حتى آخر سلطان من الدولة العثمانية (عبد الحميد) حيث تم إعتقاله ونفيه حتى الممات، كما العديد من الإغتيالات والقتل الفردي والجماعي، بمجازر معروفة لن يَمحُها التاريخ من صفحاته السوداء، التي خطًّتها أياديهم المُفسِدة بالأرض والمُمعِنَة في الإنحراف عن المَفاهِيم الإنسانيَّة ، لتسير في درب الحبائل الشيطانية، التي تتخذ الإنسان عدوَّاً لها.
قد لا نستغرب ما تقوم به إسرائيل، منذ نشأة فكرتها وحتى اليوم، من إنتهاج مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) إذ أنَّ اليهود لا ينظرون إلى باقي البشر، الذين خُلقوا على شاكلتهم، والذين يَدعُونهم (بالغُوِيم) وهم يعتقدون بأن خلقهم عل شاكلتهم لأجل خدمتهم، لذا تأتي التعليمات من تلمودهم، لأجل إستخدامهم بشتى أنواع الأعمال والمهمات والأساليب الشيطانبة، التي تدَغدِغ النفوس الضعيفة، المبنية على الحقد الأعمى، والقائمة على الحسَد، وإجراء الإغتيالات، والقيام بالإنقلابات، لتفتح جبهات من المشاحنات والضغائن، من أجل إلهاء الشعوب، بحروبٍ جانبيَّةٍ وعبثيةٍ، تفتك بها، وتقتل وتشرد وتبيد عناصرها، بالإمكانيات التي سخًٌرتها من السلطة والمال، حيث يلهثون وراءه، ليكون عصباً في عملياتهم، فتكون لهم الغلبة على كافة الصعد..
إنَّ ما نشاهده في تاريخنا الحديث، وبعد الإستيلاء على أرض فلسطين، وقيام الكيان الصهيوني، لم تهدأ الإغتيالات الجماعيًٌة بالمجازر، أو الفردِيٌَة منها، عبر المُسيِّرات والصواريخ الموجَّهه، للقادة العسكريين أو السياسيين، الذين يواجهونهم بالإعتراض، ولا يَسِيرون بركبِهم ولا يخضعون لشروطهم، فالأولَى لليهود أن يختاروا الطريق الأقصر، للتخلُّصِ منهم، وإزالتهم من طريقهم، عبر الإغتيال، دون التطلُّع إلى نتائج ذلك، ومما يمكن أن يحصل من ردَّات الغعل، أو الحروب المضادة، والمواجهات لأخذ الثأر على مبدأ العَين بالعَين، والسٌِن بالسِّن والبادئ أظلم.
من المؤسف جداً أن تجري هذه الطرق، في ظِلِّ الدعوات إلى السلام العالمي، وقيام الحضارات والتقدم التكنولوجي الحديث، ليكون العالم أجمع يحظى بحقوق الإنسان، ويعيش في ظلٌِ حياةٍ كريمةٍ، ويختصر المسافات، ليتكوَّن كقريةٍ واحدةٍ، تنعم بالتنَوٌُع، وتتميٌَز بالإنفتاح، وتساهم بالتسامح والتضامن والتآخي والمساواة، ليكون العالم بأمنٍ وأمان.
بعد كل هذه الشعارات والتوصيف، الذي حملوه للرأي العام على أنهم سادته، ويحملون رايته ويمننون العالم بأنهم أقاموا المدنية على أساسه، وهم لا يزالون يغرقون بالمجازر والقتل والتدمير والتشريد والإبادة للشعوب،كما يحدث في فلسطين، منذ بدء القضية الفلسطينية، وحتى حرب الإبادة في قطاع غزة، ومخيمات الضفة والقدس الشريف.
إن عمليات إصطياد القادة، ليست شطارة، ولا تدخل بالقواعد الحربية، التي تدلُّ على الجرأة والشجاعة والعنفوان، المطلوبة لمواجهة الخصوم أو الأعداء، وليست تدٌلٌُ على القائمين عليها وعلى أسلوبها، المتٌَصف بالغدر والإحتيال، والجبن والنذالة لإزالة أشخاص أو قادة، يحملون المبدأ والعقيدة، والقضية المحقة في الأرض والعرض، وهم يواجهون الباطل وأتباعه، من المحتلين أو المعتدين، أو المغتصِبين للحقوق والأراضي، وهم يصولون ويجولون في الأرض، من أدناها لأقصاها على مبدأ القوة، وكافة أنواع أسلحة الدمار الشامل، وإستخدامها مع المدنيين العزَّل، لأجل تحقيق غايتهم في التسلط والهيمنة على العالم وشعوب الأرض.
لقد تمرًّس العدو الصهيوني في لعبة الإغتيالات، والمعروف عنه أنه كلما إستعصت عليه حالة من حالات المواجهة الحربية، أو الهزيمة في الجولات العسكرية، حيث تكون فضائحها قد عمَّت الأرجاء في العالم، نجد أن هذا العدو يتجه إلى الحرب النفسية والحروب الأمنية، التي تعتمد على الإستخبارات والمعلومات، من خلال نشر عملائه ومخبريه من عناصر الموساد والشاباك اليهود، وأيضاً من الخونة المخبرين من أجناس أخرى، ومن نفوسٍ ضعيفةٍ تنقاد إليهم بالمال ، والمغريات التي تنتهك القيم والمبادى، بأساليب شيطانية، تُسخَّر إلى هؤلاء، الموصوفين من غير صنف البشر، حتى أنهم لا يرتدعون عن أفعالهم المشينة، التي تمعِن بالجرائم والقتل، لمزاجيات جنونية يستخدمها القادة الصهاينة، مع باقي الشعوب غير اليهودية.
تفسير ذلك والدلائل كثيرة عن أساليبهم المشؤومة، بدءاً من مجازر كفر قاسم، إلى دير ياسين وغيرها، إلى اليوم في مجازر غزة ورفح وخان يونس والمخيمات وغيرها، من جرائم قتل النساء والأطفال والشيوخ، والصحفيين ورجال الإسعاف والدفاع المدني،حتى أن العدو الصهيوني، لم يوفٌِر كنيسةً ولا مسجداً ولا مدرسةً، ولا مأوىً تابعاً للأمم المتحدة، وحتى الأطفال الخُدٌَج، والأطفال في الخِيَم، والمتهافتين إلى المياه والمواد الغذائية، حيث كانوا جميعاً تحت القصف، بالصواريخ المحمَّلة بأثقل الأطنان من المتفجرات، والقيام بإغتيالات غير مسبوقة، لا في التاريخ القديم ولاالحديث.
يأتي مع كل ذلك الإغتيالات للقادة، وخاصةً من يواجه العدو الصهيوني بثورتهم أو إنتفاضتهم، أو بسياستهم المعارضة للإحتلال والإستغلال والإحتيال، على الحقوق في الأرض وعلى الحقوق بالتعبير وتقرير المصير، وأنًّ هذا العدو لا يَتَّعظ ولا يعتبر، بأنَّ كلِّ إغتيال يزيد من الباقين، أكثر صلابةً، وأكثر إصراراَ على دحره، وتحرير أرضهم، بدءأً من: عزٌِ الدين القسَّام وحتى إسماعيل هنية، مروراً بأحمد ياسين والرنتيسي وعرفات والعاروري، وغيرهم الكثير من قادة الصف الأول والثاني والثالث في فلسطين، وجنوب لبنان وغيره.
لنجد أن المُقاومة والثورة، تزيد تماسكاً وصلابةً وقوةً، وإصراراَ على المواجهة، لأنهم أصحاب الأرض والقضِيَّة المحقة، وكلما سقط مارد، إرتفع ألف مارد، وهم مصرِّون على مبدأ المواجهة، ولو بصدور عارية،كما كانت الإنتفاضة الأولى والثانية، التي عٌرِفت بإنتفاضَةِ أطفال الحجارة، وكما هي الآن ثورة طوفان الأقصى، رغم الفارق الكبير جداَ، بالتوازن العسكري بالسلاح والعتاد بأنواعه، ولكِنٌَ توازن الرُّعب يأتي من الصمود والثبات، الذي أذهَل العالم، وأعطى الدروس والعِبر للتارخ، ليُدرَّسَ في كٌبرياتِ المعاهد العسكريًّة العالمية، ولتَكُن بعنوان: الإرادة والعزيمة، التي حوَّلت إنتصار العدو الصهيوني إلى هزيمة، رغم إمتلاك القُوٌَة والجبروت، ومع كلٌِ من يساندونه ويدعمونه، والعِبرَة من هذه الدروس، بأنَّ نصر الباطِل ساعة، وإنتصار الحَقٌِ إلى قيام السَّاعَة.
د. باسم عساف