بقلم د. باسم عساف
تتسم الحروب بعمليات الإعداد والتواصل مع الحدث، إضافة إلى التخطيط، الذي يوصل إلى التنفيذ المنظم والمتسلسل، للوصول إلى الهدف الأسمى من الصراع، وحسم الحرب بالنصر المرتجى، الذي يقوم على النوايا في إيجاد الأسباب لإقامة الحروب، أكانت لإستعادة الحقوق وبسط الأمن، أم للتعدي والإحتلال والإستغلال، خاصة من الدول الإستعمارية، التي تريد الهيمنة والتسلط على أي أرض أو بلد تنوي الإستفادة منه، أو من إنتاجه وأرزاقه، أو إستغلال شعبه لمآرب أخرى، أو لإستغلال ألأرض ضمن أهداف توسعية أو لخطط إستراتيجية في فرض السيطرة، والتحكم بالعالم لتحقيق الغاية المنشودة المعشعشة في رؤوس الموتورين بالعظمة.
أما الحروب التي تقام من قبل الشعوب، أو منظماتهم لأجل إستعادة الحقوق الشعبية، أكانت بالإنتفاضات أو الثورات أو مقاومة الإحتلال للأرض، وقهر الشعوب المغلوب على أمرها، بسبب إستخدام القوة والعنف المتسم بالإرهاب، ولو كان من قبل الدول والأنظمة التي تستولي على الأرض، أو على السلطة والحكم، والأرذل منها، التي تدعو بالقوة، إلى بسط الأمن والأمان والإستقرار والإنماء والتطوير وحماية الشعوب، ضمن منظومات الكذب والإحتيال بمظاهر الديموقراطية، وإجراء الإستفتاء العام، أو الإستحقاقات الإنتخابية الشعبية، وهي مرسومة المعالم ضمن خارطة الطريق الواصلة إلى القصور أو المجالس أو المناصب الملكية أو الرئآسية أو الحكومية ولكل مواقع القرار من أجل الإستئثار.
حفلات الكذب، باتت تعمُّ الأرض وكل الأرجاء، وقلَّما نجد مكاناً تجري فيه الأمور على خير ما يرام، أو يكون المشهد العلني مطابقاً للمشهد العملي،ومن دون رتوش أو مونتاج مع الإخراج للنتائج، كما هي للواقع والمطابقة للحقيقة، وما الذي تراه وتتحسَّسُه الكرة الأرضية، من صفقات وإتفاقات علنية وسرِّية، عالميُة ومحليّة، وجميعها تصُبُّ في قاعدة: (الغاية تبرر الوسيلة).
لذا إنطبق عليها المثل القائل: (ما دخلت السياسة أمراً إلا أفسدته)، وعليه نجد أن معظم الأنظمة، قد دخلت هذا المعترك وباتت تسير في موكب الفساد والإفساد، الذي تجيده القوى العنصرية الصهيونية، ذات التعقيدات الفكريَّة والعقائدِيَّة، التي تبرز من خلال بروتوكولات حكماء صهيون، تلك التي تستند على كتاب التلمود، المعتمد يهودياً لحكم العالم برأس واحد، ليسود فيه شعب الله المختار، الذي يحقِّق غايته بالتعقيد على حساب الشعوب ومبادئ الإنسانية…
المكر الصهيوني، والأحابيل اليهودية، قد إختارت أرض فلسطين لتطبيق تعاليمها، وجذب اليهود إليها بحجج واهية، وفي مقدمتها إعادة بناء هيكل سليمان وإمتداد نجمة داوود لتشمل شعار:( أرضك يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل ) وذلك عبر إختراع مسألة مسرحية الهولوكست والمحارق الألمانية، التي إنطلقت منها إلى تجييش اليهود وترهيبهم في وجودهم بالبلاد الأوروبية، حيث أنهم مضطهدون وملاحقون على مبدأ: معاداة السامية، حيث إستطاعت الصهيونية بأكاذيبها، أن تفرضه كقانون دولي، وذلك بفرض عقوبات صارمة على من يهددهم أو يفضحهم، وقد باتت تطبقه العديد من الدول، التي تسير بركب الصهيونية وتنفذ رغباتها وغاياتها لأنها سيطرت على حكوماتها وإداراتها
من المخذي، أن الصراع العربي – الصهيوني، لم يأخذ منذ بدايته، إلا وجه التخاذل والخيانة والعمالة مع الإنكليز، الذين سيطروا على المنطقة العربية بالتعاون مع فرنسا، بعد الحرب العالمية الأولى وإقتسمتا أراضيها، فكان التعامل معها من خلال المكاسب والمناصب لأصحاب الكروش والعروش، الذين فرحوا بهذه المغانم، ليعطوا اليهود ما يشاؤون من المقررات المعيبة، والخزي والعار لشعوب المنطقة، من خلال الأكاذيب والأضاليل التي تجسدت بالهزائم والنكبات على الأرض وفي العرض للعرب، بينما كانوا يتشدقون بأكثر من أربعين مؤتمراً عاماً لجامعة الدول العربية قضت بالتحرير والقضاء على إسرائيل، وطردهم من البحر إلى النهر، وإنها لثورة حتى النصر، وأنَّ ما أخذ بالقوة لا يُسترَدُّ بغير القوة، وخلاصتها باللاءآت الثلاث المشهورة، التي طبَّقت جميعها بالمقلوب: (لا تفاوض، لا إعتراف، لا صلح مع إسرائيل)، وقد قدَّمت هذه اللاءآت إلى شعب فلسطين، كهديةٍ على طبقٍ من تطبيعٍ كاملٍ مع العدو الصهيوني، ومن خلال الدول نفسها، التي كانت متحمسة لهذه الهدية.
لذا كانت إسرائيل بالمرصاد لها، لتتخلص من الشعب الفلسطيني بالإبادة الجماعية والقضاء عليه، كما تم إتمام الإحتلال لكافة أرض فلسطين، فكانت هديتهم أهَمُّ وأوسع قدراً من هدية العربان، التي تُوِّجَت بالسكوت المطبِق، عن الجرائم العجيبة والبشعة بحق الإنسانية والبشرية على مدى التاريخ، الذي سيكتب صفحاتٍ من الخِذي والعار بحقِّ هؤلاء المتخاذلين، الذين لا همَّ لهم، إلا إرضاء ولي الأمر لأخذ رضاه، وإستدامة البقاء على العروش لأجل بسط الأمن والأمان لهم، والطمأنينة لأسيادهم.
هذه المشاهد والسيناريوهات والمسلسلات من الرواية الكبرى، التي أنتجت: (الجيش الذي لا يقهر ، وأن إسرائيل باتت دولة عظمى، ولا يمكن التوصل إلى هزيمتها، وأن الدول الكبرى تقف معها وخلفها وتدعم خارطة طريقها للسيطرة على الشرق الأوسط الجديد)، قد وضعت حداً لها، ولألاعيبها وكل محاورها وقواعدها وكل أقنعتها، عملية طوفان الأقصى، التي بيَّنت حقيقة هؤلاء الصهاينة، وغايتهم الكبرى في الإستيلاء والهيمنة على حكم العالم، من خلال الإبادة الجماعية، للذين يعرقلون ويمنعون التمادي الإسرائيلي بالتمدد والسيطرة، من خلال هؤلاء المقاومين والمجاهدين لإستعادة أرضهم السليبة والمغتصبة عنوةً، على مرآى أعين العالم والرأي العام الدولي، الذي خدَّر وغيَّب حقيقة الواقع.
هذا هو الذي تهدف إليه الصهيونية العالمية بقيادة اليهود إلى الهاوية التي بانت مع أفعال الهستيريا والدمار والخراب والقتل والمجازر بحق العزَّل من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى ورجال الصحافة والدفاع المدني وقوافل المنظمات الدولية الإسعافية والإنسانية، وكل ما هو يدلُّ على الحياة لبني البشر، من غير اليهود، ليذهب جميعهم إلى الجحيم وفق تعليمات التلمود التي لا تطبق حتى في الغابات….
هذه الدويلة والكيان الغاصب، أليس يلزمه القضاء عليه من كثرة الفساد الذي يحويه.
وأليس يلزمه إنتفاضة الشعب المظلوم، ومقاومة شعبية شاملة لإزالة أسباب وجوده وآثاره في فلسطين والمنطقة ككل.
وهل يمكن أن تتحمل الأمة وشعوبها أكثر من ذلك، إنحطاطاً وخذلاناً منذ أكثر من مائة سنة قد مرَّرتها الأنظمة، التي كانت تنافق بدعوات الوحدة والتحرير والثورة حتى النصر.
وألم يكفِ هيئآت العالم أجمع هذا الإستلشاق والتسويف لكافة قراراته ومواقفه الدولية، في إعتماد الحقيقة التي تعطي الإنسان حقُه وحريته وإنسانيته.
وألا تكفي الدول والمنظمات الدولية كذباً وتشويهاً لوجه السلام والعيش بإطمئنان لشعوب الأرض عبر التصريحات والشعارات، التي أثقلت البشرية عبئاً، من كثرة الإعلانات عن المبادئ والقيم والمُثل الجوفاء والمفرغة من المضمون، وما ينفع حاجة الناس للعدالة والحقوق.
بالفعل فإن ما قبل عملية طوفان الأقصى ليس كما بعدها.
وأن كلَّ الإدعاءآت بالإنتفاضة والثورة والمقاومة على نهج السلطات والأنظمة والمنظمات والأحزاب والحركات خلال المائة سنة الماضية من مواجهة الكيان الصهيوني، ستمحى من تاريخ الأمة وذاكرتها وستكون في خبرٍ كان، أمام مواجهات اليوم في غزة والضفة والقدس، وأمام صمود وثبات أهلها، وأمام وحشيَّة العدو الغاصب، وتأييد المتحالفين غرباً وعرباً.
لتكون هي المقاومة الحقيقية ضد قوى الإحتلال والإستغلال، لأن المقاومة الحقيقية تكون وجهاً بوجه مع الإستبسال أمام البطش والتعسف بالقتال ، وحساباتها من دون قواعد وإتفاقات ومساومات ومصالح فئوية ومذهبية وحزبية، ولا حتى تاريخية وجغرافية، إنما تكون إما مع الحق للشعوب أو مع الباطل للأنظمة المحتلة والمستغلة، وهكذا تكون المقاومة الحقيقية بفعل القرار الصادم، وليس بفعل الفرار النادم.
د. باسم عساف