بقلم مروان اسكندر
الكتب المتوافرة حول لبنان، نشأته نتيجة فرز بلدان الشرق الاوسط من قبل البريطانيين والفرنسيين وسيطرة البلدين على منطقة حدد مساحتها والى حد بعيد انظمتها السياسية دبلوماسيين من بريطانيا وفرنسا. وكانت بلدان الشرق الاوسط قد اصبحت تحت سيطرة البلدين منذ عام 1920 والاتفاقات التي انجزت بين بريطانيا وفرنسا التزامًا بوعود سايس بيكو المعلنة عام 1916 قبل نهاية الحرب العالمية الاولى وظهور التأثير الفرنسي- البريطاني على تصوير البلدان التي ستحظى بتخطيط لحدودها في المنطقة وقيام الوطن العربي مسؤولية ما سمي بسوريا الكبرى اسفر عن تصدي القوات الفرنسية والبريطانية لمسعى قيام دولة عربية موحدة. فقرر رؤساء بريطانيا وفرنسا صياغة الدول التي شكلت الهلال الخصيب اي سوريا، لبنان، الاردن العراق ومصر. وحدها المملكة العربية السعودية لم تحدد مساحتها وحدودها من قبل الفرنسيين والبريطانيين لان شؤون المملكة كانت قد اصبحت في عهدة الملك عبد العزيز بن سعود منذ عام 1926 ولم تعان المملكة اثقال القيادة من بريطانيا او فرنسا بل حظيت بقيادة الملك عبد العزيز على حرية التحرك وبعد اعلانه ملكًا على المملكة بادر الملك عبد العزيز الى اعلان استقلال المملكة اوائل عقد الثلاثينات، فارسل ابنيه فيصل وخالد لانجاز اتفاق مع الفئة المسيطرة على اراضي اليمن لترسيخ السلام بين البلدين برعاية المملكة العربية السعودية.
تقسيم المنطقة الى بلدان اكتسبت حكام مستقلين من ابناء الجزيرة العربية ادى الى احكام ملكية في الاردن، والعراق ومصر في حين اكتسبت سوريا حكم جمهوري افترض ان يسيطر على لبنان وسوريا علمًا بان صيغة لبنان بطبيعة تشكيلة ارضه ما بين البحر والجبال وسهل البقاع تسببت في حساسية بين البلدين وتدخل سوري مستمر في الشؤون اللبنانية وكان التعديل الجوهري انشاء دولة اسرائيل على غالبية الاراضي الفلسطينية. وكانت حصيلة ذلك الحرب بين المستعمرين اليهود والجيوش العربية التي انهزمت في القتال مع الفرقاء اليهود الوافدين بصورة خاصة من اوروبا، والتطورات التي حدثت بعد ذلك معروفة للجميع.
بعد 1948 واستمرار اعتراضات سوريا على تخطيط حدود لبنان واعتبار السوريين ان الاستعمار البريطاني الفرنسي امن للبنان مناطق كانت تعتبر من الامتداد الطبيعي لسوريا، وبالتالي ولد لبنان في مساحة واقعة من جانب مقابل فلسطين الجديدة التي اصبحت تسير من الصهيونيين الوافدين من اوروبا وبعض بلدان شمال افريقيا (المغرب بصورة خاصة) ومن الجانب الثاني متاخمة ارض لبنان وسهل البقاع لسوريا وتوالي الانقلابات في سوريا التي اسفرت عن تخلي القيادة السنية لفئة العلويين اللذين حتى تاريخه يسيطرون على سوريا ممزقة بين فئات مختلفة وسيطرة لبلدان اجنبية اهمها الولايات المتحدة التي تسيطر في سوريا على منطقة انتاج النفط، وايران المتواجدة عسكريًا في مناطق سوريا الاساسية وتركيا التي حازت مناطق واسعة من سوريا كانت حتى عام 1936 تحظى بالجنسية السورية واصبحت في ما بعد تركية، ولا ننسى طبعًا التواجد الروسي المؤثر.
استنادًا الى هذه الخلفية لاستقلال بعض بلدان الهلال الخصيب وحصيلة الحروب المختلفة اصبح لبنان البلد المعرض للتحرشات الاسرائيلية من جهة والطموحات السورية – العلوية من جهة اخرى. ومن المعلوم ان الطائفة العلوية حاولت ضم مناطق تواجدها الى الحدود اللبنانية منذ عام 1936.
يجب ان نشير الى التأثير للثقافة الفرنسية على نسق الحكم في لبنان وكان ذلك بسبب دور فرنسا في التقسيم الذي انجز وتواجد المؤسسات الفرنسية الجامعية والصحية في لبنان منذ القرن التاسع عشر وذلك عبر الجامعة اليسوعية ومن بعد تأسيس الجامعة انجاز مستشفى اوتيل ديو. وعلى المثال الفرنسي انما دون تواجد عسكري مستمر للأميركيين في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية تعزز التأثير الثقافي الاميركي بتأسيس الجامعة الاميركية من قبل مرسلين اميركيين منذ العام 1866 وتعزز التأثير الاميركي بتوسيع الدور الاميركي عالميًا واسهام الولايات المتحدة باعادة اعمار الدول الاوروبية التي تأثرت بالحرب العالمية الثانية وخاصة منها المانيا، وايطاليا، وفرنسا وقد ارسى الاعتماد على المعونات الاميركية تأثير كبير على سياسات البلدان الاوروبية. وفي لبنان تجلى ذلك بتوسيع دور الجامعة الاميركية التي اصبحت الجامعة المطلوبة من غالبية البلدان العربية خاصة بعد توسع استعمال اللغة الانجليزية وتولج الولايات المتحدة دور اساسي في تنمية الدول الاوروبية وحمايتها وهنالك نسبة من القيادات العربية ومنها قيادات فلسطينية حازوا التعليم العالي في الجامعة الاميركية وساهموا بنسبة مرتفعة في تعزيز دور اللغة الانجليزية.
خلال القرن التاسع عشر انجزت كتابات موسعة عن خصائص لبنان الجغرافية سواء الموقع على البحر وتشجيع الاستيراد من فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة والدور القيادي لمتخرجي الجامعة الاميركية وتطور منطقة رأس بيروت الذي اجتذب اقامة التلاميذ من فلسطين، والبحرين، والعراق، والكويت ومن ثم وبعد اتمام دراستهم الهندسية والطبية ودراسة برامج الادارة العامة اصبحت الجامعة الاميركية مقصد المقتدرين على الاقامة والدراسة في بيروت خاصة في محيط الجامعة الاميركية. وبالمناسبة عمد مؤسسو الجامعة الى تملك ارض واسعة مطلة على البحر وتمتد فيها مساحات خضراء والملاعب الرياضية.
لبنان البداية اصبح منسيًا ومحاطًا بالطموحات. فقد كان البلد الوحيد الذي احتوى وسائل الاعلام سواء عبر الصحافة المكتوبة او تأسيس شركات التلفزيون المستقلة ومع تغير صفات حكام البلدان العربية المحيطة بلبنان اصبحت الصحف اللبنانية واللبنانيون المنتشرين في العالم العربي للاسهام في النهضة المطلوبة ركزوا شركاتهم في لبنان وبدأت تظهر الطموحات السياسية العربية والتدخلات التي اسفرت عن خسارة لبنان لاستقلالية القرار السياسي بسبب السيطرة الفلسطينية المسلحة ومن ثم السيطرة السورية العسكرية والسياسية. ويتوافر اليوم كتاب عنوانه «الدبلوماسية الاميركية تجاه لبنان» الصادر في بريطانيا والولايات المتحدة، والكتاب انجزه دايفيد هايل الذي خدم في لبنان في مركز دبلوماسي رفيع ومن ثم كسفير. والمدة التي عالج فيها التأثير الدبلوماسي يمكن تقديرها بعشر سنوات ومن عرف ديفيد هايل كصديق يدرك اهمية كتابه المتخلي عن الانحياز في تقييم الامور. كتاب يجب قراءته من السياسيين والشباب اللبنانيين.
مروان اسكندر