الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة (1)

هشام عليوان

«اساس ميديا»

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو المطلوب من الحزب الجديد القديم، ومن شراذم المعارضة، كي يلتئم الجميع في بوتقة وطنية جديدة؟ هل نكون بذلك نستعجل الأمور، ونستخفّ بقدرات المقاومة، ونتجاوز وقائع الميدان؟

في العمق، انتهى الحزب الذي نعرفه حتى لو أخضع إسرائيلَ لإرادته، وحمى سيادة لبنان تماماً من الانتهاك، وخرجت جموع المؤيّدين عقب وقف إطلاق النار مباشرة لإعلان النصر. الحزب كظاهرة أيديولوجية واجتماعية وسياسية واقتصادية لن ينتهي، وسيظلّ مؤثّراً بقوّة في الطائفة، وفي لبنان.

كما سيبقى دوره كمقاومة مسلّحة، إن احتلّت إسرائيل أراضي جديدة، سواء بالدبّابات، أو بالطائرات بلا طيّار، ولا فرق بين الحالتين. هو الآن تحت الصدمة، ويشتغل بالذهنية نفسها ما قبل الحرب. ما سيحتاج إليه بشدّة هو مراجعة الحقبة السابقة، وقراءة المتغيّرات الجديدة، ووضع أولويّات المرحلة المقبلة.

 النّصر النّهائي إسرائيليّاً

ظاهريّاً، ما يحدّد النصر والهزيمة في الصراع الحاصل بعض المؤشّرات الكمّية والنوعية: حجم المخزون الصاروخي الباقي لدى الحزب، والقدرة على تعويض المفقود منه بسبب الاستعمال أو التدمير، والقدرة على إطلاق الصواريخ إلى المدى الذي يغطّي شمال إسرائيل وصولاً إلى حدود تل أبيب، بشكل منتظم يومياً، ولمدّة كافية، إلى حين نضوج الظروف الميدانية والدبلوماسية لوقف إطلاق النار، من وجهة نظر الحزب.

إذا صمد في هذا المجال تحديداً، يمكنه اعتبار نفسه أنّه قد انتصر في حرب الوجود، بعدما باتت حرب الإسناد وراءه. أمّا الدمار المنهجي لمقوّمات الشيعة، التي شيّد الحزب كثيراً منها بدأب على مدى أربعين سنة وأكثر، فهو في الخطاب السياسي والإعلامي للحزب مجرّد أضرار جانبية يمكن تعويضها. المباني ستُبنى بأفضل ممّا كانت، وكذلك كلّ المنشآت المتضرّرة.

أمّا بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو فالهدف المباشر للحرب هو عودة المستوطنين إلى الشمال. ومهما دمّرت واغتالت وقتلت في لبنان، فلن تكون منتصرة بنظر الإسرائيليين، لأنّ الهدف العملي المباشر لم يتحقّق بعد. لكنّ الهدف الأبعد مدى من ذلك هو ضمان عدم تهديد مستوطني الشمال مرّة أخرى. ويكون ذلك عبر أمرين: تدمير القرى اللبنانية الأمامية تماماً لمنع عودة السكّان ومن ضمنهم أنصار الحزب، واحتفاظ إسرائيل بحقّ المراقبة والمتابعة والتدخّل لضرب أهداف داخل هذه المنطقة العازلة، وخارجها أيضاً، وجعل هذا الأمر من الشروط الأساسية لوقف إطلاق النار.

الحدّ الأدنى والأعلى

هذا هو الحدّ الأدنى الذي يمكن أن تقبل به إسرائيل، فيما الحدّ الأعلى يلامس القضاء تماماً على الحزب، بكلّ أبعاده العسكرية والأمنيّة والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو أمر متعذّر كما هو ظاهر، ولن يقبل به الحزب كما لن يقبل بالحدّ الأدنى من الاشتراطات الإسرائيلية لوقف الحرب.

أمّا الهدف الاستراتيجي لنتنياهو في الجبهات المتعدّدة المشتعلة حالياً، وفي غزة ولبنان على نحوٍ خاصّ، فهو تغيير المشهد الجيوسياسي في المنطقة، من خلال حصر إيران داخل حدودها الدولية، إن لم يكن تغيير النظام فيها، واستتباعه ليكون في الفلك الإسرائيلي. فالجائزة الكبرى لإسرائيل هي استعادة إيران، ليس كما كانت أيّام الشاه، بل أن تكون حيادية أمام المشروع الصهيوني التوسّعي.

من ضمن هذا المنظور الاستراتيجي للحرب الإسرائيلية الشاملة والطويلة، ينبغي نقل المعركة إلى داخل إيران، وتقويض النظام السياسي فيها، وتدمير مؤسّسات ولاية الفقيه. والطريق إلى ذلك يكون أوّلاً بتحطيم أذرعها في المنطقة تباعاً، إمّا حرباً أو استسلاماً. والخطوة التالية مباشرة هي تجريد إيران من مشروعها النووي، سلماً أو حرباً.

سقوط هيبة النظام

أمّا التداعيات المتوقّعة بعد ذلك، فليس أقلّها اندحار هيبة النظام، وتشجيع معارضيه على التحرّك في كلّ المحافظات، ووضع نظام جديد. وهذا هو الإنجاز المثالي الذي يسعى إليه نتنياهو. وقد نجح حتى الآن في اجتياز نصف الطريق.

لقد تمكّن عبر المماطلة والخداع من إسقاط كلّ محاولات الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف الحرب، وإجهاض كلّ مشاريع التبادل والهدنة في غزة، وهو ما أسهم فعلاً في إخفاق المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس، وعودة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، ومعه حفنة من المستشارين والوزراء الأكثر تأييداً لإسرائيل من الذين كانوا حول بايدن.

يتبع غداً

هشام عليوان

التعليقات (0)
إضافة تعليق