بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
لم يكن سرّاً الكلام عن تصعيد ستشهده هذه الأيام. ولم يكن سرّاً الكلام عن ضربات متتالية ستقوم بها إسرائيل. لكنّ المفاجأة جاءت من بنيامين نتنياهو الذي قرّر أن يصوّب غاراته على المحور بأكمله. من بيروت حيث سقطت اليد العسكرية للأمين العامّ للحزب، إلى طهران حيث سقط رئيس حركة حماس، وصولاً إلى العراق حيث أغارت القوات الأميركية على كتائب حزب الله العراقية. وذلك بعدما تحوّل ميناء الحديدة إلى رماد قبل أيام بقصف إسرائيلي على اليمن. عواصم ما يسمّى “محور الممانعة” ضربتها إصابات بالغة. فكيف سيكون الردّ؟
المفارقات كثيرة في الساعات الماضية، أبرزها مباركة واشنطن لاغتيال القيادي البارز في الحزب فؤاد شكر، في عمق ضاحية بيروت الجنوبية، في حارة حريك، وتبرّؤها من اغتيال إسماعيل هنية في طهران.
فهل هي مقدّمة لحرب كبرى أم لتسوية كبرى؟ أم أيّ من المسارين ليس ناضجاً بعد بانتظار ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
ردّ الحزب حتميّ: 4 أسباب للتّأجيل
في قراءتين لشكل الردّ ينقسم المراقبون بين وجهتَي نظر:
– قراءة أولى تتحدّث عن ردّ متكامل منسّق بين أطراف محور المقاومة الكثيرة، باعتبار أنّ الغارات حصلت في وقت واحد في لبنان وإيران والعراق. وبالتالي الردّ يفترض أن يكون واحداً ومشتركاً.
– قراءة ثانية تتحدّث عن خلفيّات مختلفة لكلّ من الغارات التي استهدفت العواصم الثلاثة، وبالتالي يرجّح هذا الرأي أن تكون الردود متفرّقة.
في حين توعّد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بالانتقام لاغتيال هنية على أرض طهران، تحدّثت مصادر مقرّبة من الحزب عن تروٍّ في الردّ بناء على أكثر من اعتبار:
1- مرور حوالي 24 ساعة على البحث تحت الأنقاض قبل إيجاد جثمان القائد الذي أصبح معروفاً أنّه مسؤول عن السلاح الجوّي للحزب بعد 7 أكتوبر.
2- تمهّل الحزب في إعلان استشهاده لأسباب كثيرة منها أسباب شرعية، باعتبار أنّ الجثّة ليست كاملة بل مشوّهة بفعل قوّة الغارة.
3- إعلان التشييع وإعطاء البيئة وقتاً لالتقاط أنفاسها والاستراحة قبل إمكانية تحذيرها من تداعيات الردّ على الردّ.
4- دراسة الردّ لأنّ دخول حرب كبرى ستكون كلمته في إسرائيل بناءً على ردّة فعلها بعد ردّ الحزب.
في هذه النقطة الأخيرة تميّز هذه المصادر بين نوعين من الأهداف:
1- أهداف مثل تل أبيب وحيفا. وهي أهداف يمكن أن تستدرج إسرائيل إلى ردّ وتصعيد.
2- وأهداف أخرى مثل قصف قاعدة عسكرية انطلاقاً من أنّ المستهدف هو شخصية أمنيّة تاريخية. وبالتالي تعتبر إسرائيل أنّ إطلاق الصواريخ على قاعدة عسكرية إسرائيلية هو ردّ لا يستدعي الردّ من جهتها.
غير أنّ هذه المصادر تؤكّد حتمية ردّ الحزب للمحافظة أوّلاً على قوّة الردع أو على الأقلّ على توازن القوّة مع إسرائيل. وإلّا فسيصبح كلّ هدف في الحزب مستباحاً.
هذا في لبنان، أما في إيران فنقلت “نيويورك تايمز” عن 3 مسؤولين إيرانيين أنّ المرشد الأعلى أمر بتوجيه ضربة مباشرة لإسرائيل مباشرة رداً على اغتيال هنيّة. فهل سنشهد على ليلة مشابهة لليلة الصواريخ التي انطلقت من إيران إلى إسرائيل؟
لا بوادر حرب كبرى
مصادر سياسية معنيّة كشفت لـ”أساس” أن لا بوادر إلى اتجاه المنطقة إلى حرب مفتوحة. على الرغم من ضخامة خسارة المحور في الاغتيالين، بقيت المواقف والردود ضمن الحدّ الذي لا يخرج عن توازنات القوى. وبالتالي تشير هذه المصادر السياسية والدبلوماسية على حدّ سواء إلى أنّ التصعيد سيقابَل بضربات متفرّقة ومحدّدة من دون أن تكون مدخلاً لحرب موسّعة.
لكن هل تكون مقدّمة لتسوية كبرى؟
حتّى هذه الساعة لا مؤشّرات إلى اقتراب التسوية على الرغم من الكلام الكثير عنها.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ السفيرة الأميركية والسفير الفرنسي زارا السراي الحكومي بناء على طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وذلك في سياق بذل الجهود المشتركة للإبقاء على الخطوط الدبلوماسية مفتوحة، وعدم انزلاق الوضع إلى الأسوأ.
في المعلومات الدبلوماسية أيضاً أنّ الأيام المقبلة ستشهد مساعي دبلوماسية دولية وموفدين دوليين سيزورون لبنان للعمل على إيجاد مخرج للحرب على الحدود الجنوبية. سبق أن عملت هذه المساعي على إقناع الحزب بفصل لبنان عن غزة والذهاب إلى مفاوضات. لكنّها فشلت بسبب إصرار الحزب على ربط الساحات. أما وقد ربطت الساحات في استهداف إسرائيل له، فستركّز الجهود على أن تحمل المرحلة المقبلة مسارات حلول للملفّات المتفرّقة.
أمّا في غزة فقد اقترب نتنياهو من إعلان دخوله مراحل متقدّمة، أي وقف الأعمال العسكرية والاحتفاظ بحقّ القيام بعمليات نوعية، وبالتالي الدخول في هدنة مفترضة لإجراء صفقة تبادل للأسرى.
خلال الساعات التي تلت عملية الاغتيال، كانت إسرائيل تكرّر موقفها العلني بعدم ارادتها الذهاب إلى حرب مفتوحة ولكن، مؤكدة أنّها مستعدة لذلك إن فرض عليها ذلك. تلاقي إسرائيل في هذا الموقف إرادة محور المقاومة الذي هو أيضاً، ليس مستعداً للذهاب إلى أي حرب كبرى.
ولكن، ما كان لافتاً بعد أربع وعشرين ساعة من عملية الاغتيال، إصدار وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس رسالة وجهها إلى كل وزراء خارجية الدول التي تربطها علاقة باسرائيل. ويقول فيها، انه “يجب على العالم أن يساند إسرائيل في هذا الوقت، ويطالب بوقف هجمات الحزب فوراً، وانسحابه إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه حسب قرار مجلس الأمن رقم 1701 … فعشرات الآلاف من المواطنين الإسرائيلين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم في شمال إسرائيل يجب أن يعودوا إلى منازلهم سالمين. إسرائيل لا تسعى إلى حرب شاملة ولكن الطريقة الوحيدة لتجنب الحرب هي التنفيذ الفوري للقرار 1701”.
هل سيجعل هذا الأمر مسار التفاوض في لبنان أسرع تزامناً مع الحسابات الجديدة المتعلّقة بالتصعيد؟
ربّما هذا هو مسار الأمور التي تحتاج إلى وقت لتنضج. بالانتظار، يبدو المشهد مقبلاً على إعادة القوى درس حساباتها في ميزان الربح والخسارة، مع محاولة المساعي الدولية إيجاد معادلات الـwin win، أي إعطاء انتصارات للطرفين، لأنّه لن يقبل أحد أن يخرج من الحرب ويدخل التفاوض خاسراً.
جوزفين ديب