التحديات التي تواجه ستارمر وسياسته البريطانية المتوقعة / 2

بقلم د. ابراهيم العرب

علاوة على ذلك، سيقوم حزب العمال باتخاذ إجراءات صارمة ضد عصابات تهريب المهاجرين وتعزيز التعاون مع السلطات في جميع أنحاء أوروبا لحل أزمة الهجرة. فبعد إدانته لخطة ريشي سوناك في رواندا لترحيل الأشخاص الذين يصلون عبر معابر القنال الإنجليزي إلى الدول الإفريقية، يخطط ستارمر لإيجاد بديل؛ حيث سيطلق قيادة جديدة لأمن الحدود للتصدي للعصابات التي تقف وراء تهريب البشر، وسيمنح المنظمة صلاحيات جديدة بموجب قواعد مكافحة الإرهاب لإحداث تأثير. كما يخطط لستارمر للسماح للضباط بإجراء عمليات التوقيف والتفتيش على الحدود، وإجراء تحقيقات مالية وإصدار أوامر تفتيش ومصادرات تستهدف الهجرة المنظمة.

أما على الصعيد العالمي، فيقول حزب العمال أنه سيستمر في دعم أوكرانيا في مواجهتها مع روسيا، فيمَا شدد رئيسه ستارمر على أن الاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببساطة ليس بمشكلة؛ ولكن هل يعني هذا أنه من الممكن أن يتجه لتغيير موقف بلاده من روسيا في المرحلة المقبلة؟ سؤال ستحدده برأينا نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

من ناحية ثانية، يزعم حزب العمال أنه يؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من حل الدولتين في الشرق الأوسط، مع استمرار دعمه لإسرائيل في حربها ضد غزة؛ ولكن بغض النظر عن مدى تأييده للحرب الإسرائيلية على حركة حماس، نرى بأنه يُمثل شيئًا إيجابيًا أن يعلن حزب العمال أنه ملتزم باعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية «كمساهمة في عملية السلام المتجددة التي تؤدي إلى حل الدولتين»، لكنه لا يحدد أي جدول زمني للقيام بذلك، فهل سيقدم على هذه الخطوة فعلًا، أم أنه يناور؟

من ناحية ثالثة، فإن حزب ستارمر كان يشير إلى التزامه بالضغط من أجل تمرير المقترح الأميركي بإجراء وقف فوري لإطلاق النار على مراحل في الحرب بين إسرائيل وحماس، وذلك بهدف الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة ولزيادة كَمَيَّة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى مدنيي غزة، ولكن لا ندري حتى الآن ما إذا كانت ضغوطه المستقبلية ستنصبّ على إسرائيل أم على حركة حماس، في ظل إعلانه المستمر عن دعمه اللامتناهي لتسليح إسرائيل حتى تحقق كل أهدافها في غزة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن ستارمر، الذي أطاح بكوربين من صفوف الحزب، متزوج من فيكتوريا اليهودية، وقد أجرى تغييرات جذرية داخل الحزب بكل ما يتعلق بمعاداة السامية. حيث اتخذ موقفًا مؤيدًا لإسرائيل في استمرارها بحربها على غزة، ومن المتوقع أن يبقى على موقفه هذا في المستقبل. في الوقت نفسه، يمكن للمرء أن يتوقع أيضًا أن  يستمر ستارمر بعد توليه السلطة في إمداد إسرائيل بالأسلحة النوعية وكذلك اتخاذ موقفًا أكثر تشددًا من حماس.

كذلك، فتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ حزب العمال حارب زعيم حزب العمال من أجل بريطانيا جورج غالاوي، نتيجةً لتأييده للقضية الفلسطينية، فقد خسر الأخير  مقعده الانتخابي عن روتشديل؛ فإن كان غالاوي المخضرم قد ربح أصوات العرب والمسلمين في البلدة، إلا أن انتقاداته المستمرة لدعم ستارمر لإسرائيل في حربها على غزة، أدت إلى خسارته مقعده البرلماني أمام مرشح حزب العمال بول ووه، الذي هو صحافي سابق في الشؤون السياسية عمل من قبل في صحيفتي «إندبندنت» و»إيفننج ستاندارد» والذي نشأ في ذات المدينة؛ هذا مع العلم بأن غالاوي (69 عامًا) نفسه كان عضوًا سابقًا في البرلمان عن حزب العمال قبل أن يتم طرده منه عام 2003 نتيجة انتقاده رئيس الوزراء آنذاك توني بلير بشأن الحرب على العراق.

ختامًا، يواجه حزب العمال تحديات هائلة بعد فوزه في الانتخابات العامة، ما يتطلب منه وضع سياسات فعالة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وللنجاح في هذه المهمة يجب أن يعتمد على قدرة الحزب على اتخاذ قرارات شجاعة ومدروسة، وأن يتعاون مع جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق مستقبل أفضل لبريطانيا، وأن يتخلى عن دعمه اللامتناهي لإسرائيل وتسليحها، خصوصًا أن الأخيرة ليست من المشهورين بوفائها للمخلصين لها، وإنما تستعملهم فحسب لتحقيق مصلحتها الخاصة ومن ثم تتخلص منهم عند أقرب فرصة لصالح كل من يقدّم لها أكثر، لذا فلا يغرّن ستارمر مدى قوة علاقته باللوبيات الصهيونية، وليعلم أن تبني القضايا الإنسانية العادلة كالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وقطع الأسلحة عن الدولة الصهيونية التي لا تتوانى عن إبادة المستضعفين الغزاويين جماعيًا، هو ما سيحقق له رضى الشعب والخالق، ويؤمن لحزبه النجاح والتألق الإنساني مستقبلًا.

د. ابراهيم العرب

التعليقات (0)
إضافة تعليق