إيمان شمص
«أساس ميديا»
“الحرب الإقليمية المخيفة جارية منذ الخريف الماضي، تحرّكها النيّة لإعادة تنظيم استراتيجية تختمر منذ عقود، حيث تعمل إيران على توسيع وتعزيز نفوذها في المناطق المجاورة لإسرائيل، التي ضعفت قدرتها على إدارة التهديد الذي تشكّله الجهات الفاعلة غير الحكومية المدعومة من إيران”. هذا ما خلُص إليه الدكتور كامران بخاري المتخصّص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في معهد التطوير المهني بجامعة أوتاوا الذي شغل منصب منسّق دراسات آسيا الوسطى في معهد الخدمة الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
تعهّدت إيران بالردّ على الهجوم الجوّي الإسرائيلي الأخير على المجمع الدبلوماسي لطهران في سوريا. ما أثار المخاوف بشأن صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط. لجهة أنّ خطر سوء التقدير كبير. وإذا قام أيّ من الجانبين بضرب أراضي الطرف الآخر بشكل مباشر، فإنّ المنطقة سوف تغرق في مياه مجهولة.
في رأي بخاري، “يشير مقتل العديد من كبار ضبّاط الحرس الثوري الإيراني إلى أنّ إسرائيل كانت لديها معلومات استخبارية في الوقت الحقيقي عن مكان وجودهم. ويرجّح أن يشتبه الإيرانيون في قيام عناصر داخل المؤسّسة الأمنيّة السورية بتزويد الإسرائيليين معلومات استخبارية عن تحرّكات قيادتهم. وأن تتضرّر نتيجة لذلك العلاقة الإيرانية السورية، وأن تصبح إيران أكثر حذراً بشأن عملياتها وتبادل المعلومات مع النظام السوري، الذي يعتمد على طهران ووكلائها في أمنه الخاص”.
الضربة وعواقبها
كامران وفي مقالته بموقع “جيوبوليتيكيل فيوتشرز” Geopolitical Futures الذي أسّسه عام 2015 الاستراتيجي جورج فريدمان في تكساس: “بحسب إسرائيل، استهدف الهجوم مبنى مجاوراً للسفارة الإيرانية كان يستخدمه فيلق القدس لتهديد أمن إسرائيل. وكان يضمّ قسم الشؤون القنصلية بالسفارة. الأمر الذي لا يبطل الادّعاء الإسرائيلي. إذ تستخدم وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم عادة الغطاء الدبلوماسي لنشر عملائها في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ضمان بقاء نظام الأسد هو أكبر عملية للذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني”.
يذكر بخاري أنّ “الإسرائيليين استهدفوا المنشآت الإيرانية عشرات المرّات على مرّ السنين، ووفقاً لأحد التقديرات، قتلوا 17 ضابطاً في الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك كبار القادة، منذ أواخر كانون الأول”. ويعتبر أنّ “من المفترض أنّ الحرس الثوري الإيراني كان يتّخذ خطوات لتعزيز أمنه التشغيلي. كان يمكن لطهران، التي تفتقر على ما يبدو إلى القدرة على حماية أفراد ومعدّات فيلق القدس من الضربات الجوّية، أن تخفّف من تجمّعات القيادة في المنشآت الدبلوماسية لمحاولة ردع الهجمات الإسرائيلية. ولكن إذا كانت هذه هي حسابات إيران، فمن الواضح أنّها استخفّت بحجم التهديد الذي تدركه إسرائيل واستعدادها للمخاطرة به”.
لا معركة مباشرة
يعتبر بخاري أنّ “الشرق الأوسط أصبح فعليّاً ساحة معركة بين الإيرانيين والإسرائيليين. وهي نتيجة طبيعية للمسار الذي شهدته المنطقة على مدى العقدين الماضيين:
1- أدّى الغزو الأميركي للعراق وانتفاضات الربيع العربي عام 2011 إلى زعزعة استقرار العديد من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. وأقام منافسة بين طهران والجماعات الجهادية، تنظيم القاعدة أوّلاً ثمّ تنظيم الدولة الإسلامية، لملء الفراغ الاستراتيجي.
2- تدخّلت الولايات المتحدة لمحاولة تحييد الحركة الإسلامية العابرة للحدود الوطنية، وساعدت إيران عن غير قصد على تعزيز مجال نفوذ متاخم على طول شرق البحر الأبيض المتوسط.
3- أدّى ظهور الحوثيين كقوّة مهيمنة في اليمن إلى منح الإيرانيين موقعاً رئيسياً عند تقاطع بحر العرب والبحر الأحمر. وكان وكلاء إيران في مواقع تمكّنهم من ضرب إسرائيل من الشمال والجنوب. كما فعلوا بطائرات بدون طيار تمّ إطلاقها من اليمن وسوريا والعراق منذ بداية حرب غزة. ومع انشغال القوات الإسرائيلية بمحاولة الإطاحة بنظام حماس في غزة. انخرط الحزب وإسرائيل في اشتباكات متزايدة الحدّة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية”.
يعتبر بخاري أنّ خسارة إسرائيل للدعم الدولي لحملتها في غزة، وخاصة في الولايات المتحدة، كانت سبباً في زيادة جرأة إيران.
وهذا من شأنه أن يجعل إسرائيل أكثر يأساً في مواجهة استراتيجية التطويق الإيرانية. وهو ما يؤدّي إلى تحرّكات عدوانية متزايدة وزيادة خطر التصعيد. لكنّه مع ذلك يستبعد “نشوب حرب مستدامة بينهما لأسباب عديدة، ومنها:
4- بعد المسافة الجغرافية بينهما ووجود تهديدات أكثر إلحاحاً حيث سيتعيّن على إسرائيل التعامل مع غزة لفترة طويلة بعد أيّ وقف محتمل لإطلاق النار، وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مهدّدة بالاضطرابات الشعبية. كما أنّ الحزب والحوثيين سيصرفون انتباه إسرائيل.
5- إنشاء إيران لشبكتها من الوكلاء في العالم العربي كان هدفه تجنّب الصراع العسكري المباشر، وأنّ وضعها الداخلي أسوأ كثيراً من وضع إسرائيل. ونظراً لتقدّم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في السنّ، فمن الممكن أن يحدث انتقال تاريخي للقيادة في أيّ وقت.
6- تراجع الدعم العالمي لأفعال إسرائيل هو في مصلحة إيران، ولذلك من المرجّح أن تحاول طهران تجنّب وضع نفسها في مركز الجدل، فتترك الظروف الإقليمية تستمرّ في التدهور لمصلحتها. ومن الأمثلة على ذلك الاضطرابات التي تختمر في الأردن. والتي يراها الإيرانيون فرصة لتوسيع نفوذهم إلى المملكة الهاشمية، ومنها إلى الضفّة الغربية. وبالتالي اكتساب القدرة على الضغط على إسرائيل من الشرق.
إيمان شمص