كتبت ريتا شمعون
مؤسسات دمّرت بشكل كامل ومؤسسات تضررت بشكل جزئي، مؤسسات أغلقت أبوابها وشركات سرّحت موظفيها، مشهد يقودنا الى السؤال عن واقع العمال والموظفين في هذه المؤسسات حيث أشارت الدولية للمعلومات الى ان غالبيتها دفعت كامل قيمة الراتب نهاية الشهر الماضي، بينما البعض دفع نصف القيمة والبعض الآخر لم يتمكن من دفع أي شيء.
فالظروف الأمنية أدّت الى إستشهاد 20 موظفا في القطاع العام وجرح آخرين، ولم تمكن الموظف في القطاع العام من تنفيذ شروط بدل المثابرة بالتزامه الحضور اليومي، وهجّرت موظفين في القطاعين العام والخاص من بيوتهم وأبعدتهم عن مكان عملهم، الذين اضطروا الى الغياب قسريا عن عملهم.
ومع ذلك نحاول أن نعيش ، رغم كل الأخبار السيئة،ورغم الظرف الإستثنائي على أمل أن ينصف هؤلاء الموظفين الذين يعانون من أزمة إقتصادية ومعيشية غير مسبوقة.
واتت هذه الحرب المدمرة على ما تبقى من أمل بالحياة، نحاول أن نلقي الضوء على هذا الواقع مع رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، الذي شرح في حديث لجريدة ” الشرق” بالوقائع للأزمة الكبيرة والمدمرة التي تعيشها الطبقة العمالية في لبنان والمرشحة للتفاقم مع استمرار الإعتداءات الإسرائيلية، وفق الأسمر، قائلاً: إن لبنان يعيش حاليا حرب أدّت الى تدمير عدد كبير من المؤسسات الصناعية والأسواق التجارية ، وتوقف مؤسسات أخرى زراعية عن العمل لا سيما في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية التي تتعرّض يوميا للإعتداءات الإسرائيلية، في حين أن المؤسسات في باقي المناطق تراجع عملها بنسبة لا يستهان بها.
هذا الواقع إنعكس سلبا على الطبقة العمالية في لبنان، مشيرا الى ان المؤسسات التي تضررت أكثر من غيرها إضطرت الى تسريح موظفيها، بينما لجأت بعض المؤسسات التي تضررت بشكل جزئي الى خفض رواتب موظفيها وعمالها ، ما سيفاقم الأزمة الإجتماعية، وفي هذا المجال، يكثف الإتحاد العمالي العام إتصالاته مع الهيئات الإقتصادية لتخفيف وطأة الأزمة عن كاهل الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص لمعالجة ما يمكن معالجته.
ويلفت الأسمر، الى انه خارج المناطق المستهدفة، هناك قطاعات أيضا تضررت، والأعمال فيها تراجعت بشكل كبير لا سيما في الأماكن التجارية والسياحية والصناعية ، فالقطاع الزراعي الذي يعتبر قطاعا مهما في لبنان ، يعاني من خسائر كبيرة نتيجة الأضرار الواسعة الناجمة عن الغارات الإسرائيلية التي تسببت في حرق آلاف الهكتارات خاصة في المناطق الجنوبية مما أثر على الإنناج المحلي، وسجّل إنخفاضا بلغ 50% بالإضافة الى تشريد عدد من المزارعين خارج أراضيهم .
أما بالنسبة الى الحركة التجارية توقفت حركتها تقريبا، موضحا أنه على صعيد لبنان، هناك أماكن توقف العمل فيها بنسبة 100% في المناطق الأكثر عرضة للإستهداف ، وأخرى بنسبة 80% كالعاصمة بيروت، فيما المناطق البعيدة نسبيا عن خط النار توقفت الأعمال فيها بنسبة 40% بالتالي المعدل الوسطي الوطني للحركة التجارية هو ما بين 70 الى 80%.
القطاع الصناعي تأثر سلبا بحالة الحرب السائدة في البلاد وذلك نتيجة توقف نحو 40% من المصانع عن العمل بسبب وجودها في المناطق الساخنة بالإضافة الى الإنخفاض الكبير في الطلب في السوق الداخلية، بشكل عام يقدر إنخفاض نشاط القطاع الصناعي في الفترة الأخيرة بحدود 50%.
وأضاف: لا شك أن هناك كلفة عالية يتكبدها لبنان جراء الحرب، حتى الآن ليس هناك من إحصاءات دقيقة حول حجم الأضرار، لكن في ظلّ عدم إستشراف نهاية مرتقبة لهذه الحرب، فإن حجم الخسائر سيتضاعف أكثر فأكثر، من هنا لا يمكن للإتحاد العمالي العام معرفة عدد المؤسسات المتضررة والخسائر التي تكبدتها ، لافتا الى فقدان آلاف الموظفين والعمال لوظائفهم.
وردا على سؤال، يقول الأسمر، ربما من غير المفاجىء أن تكون أرقام البطالة في لبنان جرّاء الحرب قد ارتفعت بشكل جنوني، موضحا: أن البطالة في لبنان ما قبل العدوان الإسرائيلي ليست بالتأكيد كما بعده، فإذا كانت نسبة البطالة قبل هذه الحرب مقدرة ما بين 37 و40% ،فإن أرقام البطالة في لبنان بعد الحرب، ستتضاعف وتنذر بكارثة إجتماعية.
ويؤكد أن لا حلّ قبل وقف إطلاق النار، ويضيف، ربطا بإنقاذ القطاع الإقتصادي، نحن نحتاج الى خطة من نوع ” مشروع مارشال” المشروع الإقتصادي لإعادة تعمير أوروبا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، الذي وضعه “الجنرال جورج مارشال” تهدف أولا الى عملية عاجلة لإسكان آلاف الأشخاص الذين فقدوا كل شيء ثم تركيز التبرعات وإدارتها وفقا لخارطة طريق متفق عليها مع السلطة اللبنانية بالحصول على تمويل دولي من الدول الصديقة للبنان من اجل بناء إقتصاد سليم.
وفي إطار الدعم للطبقة العاملة في لبنان، في هذه المرحلة، يؤكد الأسمر أن الإتحاد العمالي العام يؤكد على مبدأ التعويض المالي االشهري المقطوع للعمال الذين فقدوا أعمالهم، موضحا أن الإتحاد يواصل لقاءاته مع وزارة الشؤون الإجتماعية ومعها المنظمات الدولية عبر إجراء إحصائيات دقيقة لدعم ومساعدة العمال المسرّحين من أعمالهم في هذه الظروف القائمة.
ابراهيم نحال عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان، يقول في حديث لجريدة ” الشرق” قد نزح عدد كبير من الموظفين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة العدوان الإسرائيلي على لبنان بينما يستمر قسم منهم في العمل في ظرف إستثنائي ” صامدون في مراكز عملهم” في الإدارات الرسمية لتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، لكن مما لا شك فيه، أن نسبة النزوح قد أدّت الى تقليص تلك الخدمات.
وأكد أن الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة قد طلبت حكومة تصريف الأعمال إلغاء شرط 16 يوما شهريا للحصول على بدل المثابرة، فالظروف الأمنية المستجدة لن تمكن الموظف من تنفيذ شروط المثابرة بالتزامه الحضور الرسمي الكامل ضمن الدوام المحدد في المادة 33 من القانون رقم 46 تاريخ 2017\8\21 المتعلقة بدوام العمل الرسمي، ودمج كل المستحقات الشهرية في صلب الراتب لنتمكن من العيش بكرامة في هذه الفترة الصعبة التي يمرّ بها الوطن.
ويختم نحّال قائلاً: يبقى التعويل على قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أمل أن ينصف هؤلاء الموظفين الذين يعانون من أزمة إقتصادية صعبة .