بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
اليونان القديمة مجموعة دول مثل الشرق الأوسط اليوم. وكانت إسبارطة واحدة من الدول اليونانية، مثل إسرائيل اليوم… وهناك أوجه شبه كثيرة أخرى. لكنّ الجديد على المقارنة هو أميركا ودعمها. فكيف سيعيد التاريخ نفسه؟
كان مجتمع إسبارطة مجتمعاً عسكرياً مقاتلاً مثل المجتمع الإسرائيلي اليوم. وكان مجتمعاً عنصريّاً متشدّداً يشعر بالفوقية على المجتمعات اليونانية الأخرى، تماماً كالمجتمع الإسرائيلي اليوم أيضاً.
كان الإسبارطيون يؤمنون بالنقاء العنصري وبالفوقية نحو الآخرين. وكانوا يعتقدون أنّهم أقرب إلى الإله، وأنّهم يستمدّون الشرعية والقوّة منه. كانوا كالإسرائيليين اليوم يعتقدون أنّهم مفضّلون عند الآلهة التي تمكّنهم دائماً من التغلّب على أعدائهم، وأنّها مصدر قوّتهم وشرعيّتهم. لذلك كان من الطبيعي أن تنفجر سلسلة حروب بين إسبارطة والدول (المدن) اليونانية الأخرى، كما حدث بين إسرائيل والدول العربية منذ عام 1948 حتى اليوم.
خامنئي – نتنياهو: زيريكيس – ليونيدس
يروي المؤرّخ اليوناني الشهير ثيوسيريديس في كتابه المرجع “تاريخ الحروب البيلوبونسية” وقائع تلك الحروب. وهو ما يفتقر إليه تأريخ الشرق الأوسط حتى اليوم. إلا أنّ الواقعة الأهمّ التي يرويها المؤرّخ اليوناني القديم هي الحرب بين إسبارطة وإيران (القديمة) في القرن الخامس قبل الميلاد. في ذلك الوقت كان على رأس الدولة الفارسية (الإيرانية) ملك طموح يُدعى زيريكيس. اليوم يوجد الإمام علي خامنئي. وكان على رأس الدولة الإسبارطية الملك المتشدّد ليونيدس، واليوم يوجد على رأس الدولة الإسرائيلية إسبارطة الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو.
هاجمت القوات الفارسية إسبارطة ووقعت بينهما معارك شديدة قُتل خلالها الملك ليونيدس.. لكن بعدما أُنهكت القوات الفارسية، فوجدت الدول اليونانية في ذلك فرصة سانحة طالما انتظرتها، فانقضّت على الجيش الفارسي وقضت عليه.
تقف الدول العربية متفرّجة أو منتظرة نتائج المعركة الحاسمة بين إيران وإسرائيل، كما انتظرت الدول اليونانية نتائج الحرب بين إيران (فارس) وإسبارطة.
يعلّمنا التاريخ أنّ فارس خسرت الحرب، وأنّ إسبارطة خسرت نفسها. عادت القوات الفارسية إلى بلادها من دون الانتصار الذي لو تمّ لفتح أمامها أبواب جنوب أوروبا. وانكفأت إسبارطة على نفسها حتى أصبحت واحدة من الممالك اليونانية المتناثرة.
هدف إسرائيل اليوم مثل هدف إسبارطة القديمة، وهو الانتصار على القوات الفارسية لتكريس هيمنتها على بقيّة الدول (الجزر) اليونانية الأخرى.
هاجمت القوات الفارسية إسبارطة ووقعت بينهما معارك شديدة قُتل خلالها الملك ليونيدس.. لكن بعدما أُنهكت القوات الفارسية
الجديد على المقارنة: الدّعم الأميركيّ
لم تكن هناك دولة كبرى تمدّ إسبارطة بالسلاح وتقدّم كلّ إمكاناتها العسكرية والماليّة والسياسية لدعمها. الولايات المتحدة اليوم تقوم بهذا الدور مع إسرائيل – إسبارطة الشرق الأوسط.
فعلت ذلك لدى قيامها في عام 1948. فكانت الدولة الأولى التي تعترف بقيامها. وفعلته ثانية في عام 1967 عندما احتلّت إسرائيل القدس إلى جانب الضفة الغربية وسيناء والجولان. ثمّ فعلته في عام 1973 بعدما خسرت إسرائيل في معركتَي سيناء والجولان. وهي تقف معها اليوم في معركة المواجهة الجديدة بين الإمام خامنئي ونتنياهو (الملك زيريكيس الفارسي – الملك ليونيدس الإسبارطي).
في ذلك الوقت لم يكن هناك لاعب خارجي كالولايات المتحدة يرجِّح كفّة الفريق الذي يؤيّده ويدعمه (ولم تكن هناك أصلاً ولايات متّحدة أميركية).
الهزيمة اليوم… أوسع من إسبارطة
في ذلك الوقت أيضاً لم تكن هناك ثقافة بيع الانتصارات أو توظيفها لمصالح أطراف أخرى.
كانت هزيمة إسبارطة بالأمس البعيد هزيمة لها حصراً. أمّا هزيمة إسرائيل المرتجاة فهي في الحسابات السياسية العامّة هزيمة لقوى دولية كبرى في مقدَّمها الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي… لذلك حشدت هذه الدول قواها وأدواتها العسكرية ووضعتها في حالة استنفار استعداداً للتدخّل في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، وبالشكل المناسب.
كانت إسبارطة ضدّ الدول اليونانية الأخرى، ولذلك استفردت بها القوات الفارسية وانتصرت عليها على الرغم من أنّها دفعت غالياً ثمن الانتصار. وإسرائيل اليوم مرتبطة باتفاقات تسوية وسلام مع معظم الدول العربية، ولذلك تستفرد إيران أو تستفردها إيران بالمواجهة… فهل سيعيد التاريخ نفسه؟
محمد السماك