بقلم د. وليد صافي
«أساس ميديا»
في أغلبيّتها، إلى تحصينات ينطلق منها عناصر قوّة الرضوان نحو الأراضي الإسرائيلية. أمّا بالنسبة للحزب فيرى يشاي أنّه يحاول بواسطة حرب الاستنزاف، التي يخوضها حالياً ضدّ الجبهة الداخلية، منع الحكومة اللبنانية من تقديم تنازلات لإسرائيل والعمل على تليين الموقف الإسرائيلي، خصوصاً في ما يتعلّق بمسألة فرض نزع السلاح من منطقة التماسّ المحاذية للحدود، ومن جنوب الليطاني عموماً.
قلق نتنياهو: تماسك ائتلافه الحكوميّ
المسوّدة التي يجري التفاوض عليها مع الحزب ومن خلفه طهران، انطلقت بالأساس من مخاوف نتنياهو من أن تمتنع إدارة بايدن عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنعه من إصدار قرار يقيّد المناورة البرّية في لبنان.
بالطبع جاءت زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر لموسكو ولاحقاً لواشنطن للاجتماع بإدارة بايدن وفريق ترامب لإعداد مسوّدة الاتفاق على خلفيّة رغبة ترامب بإنهاء الحرب. ومن غير المستبعد حتى الآن أن يقدّم نتنياهو لترامب إنجازاً في الشمال لكن بشروطه، أي مع حرّية الحركة إذا انتهك الحزب الاتفاق، ومع مراقبة أميركية للحدود الشرقية مع سوريا، مقابل الاستمرار بخططه في قطاع غزة، لا سيما في شماله الذي يتهيّأ للسيطرة عليه عسكرياً لمدّة طويلة، ومقابل التحضير لضمّ الضفة الغربية وإعلان السيادة عليها بحسب ما صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. لكن يبقى أحد شروط نتنياهو الضمنيّة لعدم عرقلة الاتفاق بعدما أظهر الحزب ومن خلفه طهران ليونة بالعديد من نصوص الاتفاق، ضمان الاستقرار في ائتلافه الحكومي.
على الرغم من التخبّط الذي يجري في الرباعي الحكومي بين تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي أعلن بأنّ هدف العملية البرّية في لبنان هو تجريد الحزب من سلاحه، وبين تصريحات وزير المالية سموتريتش بإقامة منطقة عازلة كمقدّمة للاستيطان في الجنوب على غرار ما يخطّط له في شمال غزة، فإنّ الائتلاف الحكومي يبدو مستقرّاً بعدما تمكّن نتنياهو من ضمّ جدعون ساعر إلى الحكومة لتصبح مستندة إلى أكثرية 68 نائباً، وتعيينه وزيراً للخارجية، وإبعاد يوآف غالانت عن وزارة الدفاع وتعيين كاتس على رأس هذه الوزارة، وهو الذي تصفه الصحافة الإسرائيلية بأنّه “دمية” في يد نتنياهو. لكنّ الحذر مع نتنياهو يبدو واجباً من خلال تجاربه وخبرته في نسف كلّ الاتفاقيات التي عرضت من إدارة بايدن لإنهاء الحرب في غزة وتحرير الرهائن.
ما هي “أرانب” نتنياهو؟
في الأمس وبحسب الصحافة الإسرائيلية قام نتنياهو بمناورة جديدة لتبريد أهالي الرهائن بأن أعلن جائزة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن كلّ رهينة. وهو ما يعني أنّ القصّة طويلة في غزة.
هناك حذر أيضاً ممّا يعاد طرحه في الصحافة الإسرائيلية حول جدوى الاتّفاق مع لبنان من دون فرض مسار التطبيع. إذ كتب عميت يغور قبل يومين في صحيفة يديعوت أحرونوت مقالاً بعنوان “تسوية عسكرية مع لبنان من دون تطبيع أو تغيير عميق ستقوّض إنجازات الجيش”. وتساءل الكاتب: “ألا تملك إسرائيل حالياً حرّية التحرّك في لبنان؟ فلماذا الوثيقة الموقّعة في هذا المجال؟ ألا يجب أن تكون هناك خطوات سياسية وبنيوية وتنظيمية واقتصادية يُطلب من لبنان تعهُّد القيام بها في إطار التسوية؟ هل إيران متضمّنة ومذكورة علناً في الاتفاق الذي سيوقَّع؟ وهل توقّف أحد وسأل لماذا أعطت إيران التسوية مباركتها؟ هل هناك إمكانية أنّ إيران تحاول حصر خسائرها، وهي التي صرّحت أخيراً فقط بأنّ طهران تدعو إلى الموافقة على وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701 والانسحاب إلى ما وراء الليطاني، وأنّها ستواصل تأييدها للحزب، وستساعده على التعافي من الضربات القاسية التي تكبّدها؟ أولا تعتبر هذه التسوية، عمليّاً، تسوية من أجل ترميم الحزب؟ وماذا سيحدث لعناصر الحرس الثوري الموجودين في لبنان، وفي سورية التي تُعتبر أشبه بممرّ فيلادلفي الشمالي لترميم الحزب؟ وهل هناك نصّ صريح في الوثيقة يتضمّن كلاماً واضحاً يقضي بطرد الحرس الثوري من المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة (نوع من إنذار)”؟
الرأي العامّ في إسرائيل يريد التّسوية
من الواضح أنّ هناك جوّاً عامّاً في إسرائيل يريد التسوية، لا سيما قادة الأجهزة الأمنيّة ورئيس الأركان الذي ينظر بحذر شديد ويدعو إلى عدم الغرق بالمستنقع اللبناني. لكنّ الحذر يبقى كبيراً من نتنياهو نفسه الذي يملك العديد من الأرانب لإحباط التسوية والتذرّع تارة بموقف سموتريتش وبن غفير، وطوراً بعدم تجاوب الاتفاق مع شروطه في حرّية الحركة ومراقبة إعادة تسليح الحزب، أو قد يتحجّج بعدم تحقيق العملية البرّية حتى الآن أهدافها، لا سيما أنّه يخوض الحرب مع الحزب بعنوان واضح: “إضعاف محور الممانعة لإضعاف إيران”.
فهل يناور ويستخدم هذه الأرانب ويستفيد من الوقت الباقي لوصول ترامب إلى البيت الأبيض لاستمرار إضعاف الحزب والضغط عليه عسكرياً؟ أم ينتظر ترامب ليقول له do it، فتكون الهديّة لصديقه وليس لبايدن الذي يجمع أوراقه للخروج بعدما رمى للعالم بقنبلة السماح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي بصواريخ أميركية؟
يبقى سؤال وجّهته الصحافة الإسرائيلية: هل تتحوّل الوثيقة الأميركية إلى وثيقة دولية أميركية، فرنسية، روسية، إسرائيلية ولبنانية؟
أمّا الأسئلة اللبنانية فهي: هل تكون هذه الحرب آخر حروب لبنان؟ وهل يشمل الاتفاق بالإضافة إلى النقاط الحدودية وآليّة تنفيذ القرار 1701 موضوع مزارع شبعا؟ أم تبقى هذه المنطقة “مسمار جحا” لكلّ من إيران وإسرائيل؟
لبنان والعالم بانتظار اجتماع هوكستين بنتنياهو لمعرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
د. وليد صافي