نائب للرّئيس الفلسطينيّ… بديل للإصلاح؟
بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
أوفى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بوعد كان أطلقه أمام القمّة العربية الطارئة في القاهرة، في 4 آذار الماضي، يقضي بتعيين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير. وَعَدَ حينها أيضاً بإعادة المفصولين من حركة “فتح” إلى صفوف الحركة، فاستبشر الفلسطينيون خيراً مخلوطاً بشكوك وكثير من الريية. وكان عبّاس في ذلك “يبشّر” العرب بخوض طريق الإصلاح الداخلي وشقّ مسالك للوحدة الوطنيّة الفلسطينية، التي باتت مفقودة منذ انشقاق حركة “حماس” عن السلطة الفلسطينية الذي تصفه السلطة بالانقلاب، في حزيران 2007، واتّخاذ اللجنة المركزية لـ”فتح” قرارات فصل بالجملة والمفرّق بحقّ قيادات ورموز و”مغضوب عليهم”.
قد لا تكون مفهومةً علاقة تعيين نائب لعبّاس على رأس منظّمة التحرير بالوحدة والإصلاح، لكنّ الأمر ينظّم على الأقلّ، ولو جزئيّاً وعلى نحو ما زال ضبابيّاً، مسألة الانتقال السلس للسلطة في حال شغور منصب الرئاسة لسبب أو لآخر. ولطالما انشغل الداخل الفلسطيني والعواصم القريبة والبعيدة المعنيّة بمسألة “وراثة” عبّاس (90 عاماً) داخل منظومة حكم صُمّمت بشكل يشبه مقولة “من بعدي الطوفان”. وإذا ما كانت ضغوط خارجية فرضت على الرئيس الراحل ياسر عرفات إجراءات أتت بعبّاس من بعده، فإنّ ضغوطاً مماثلة فرضت، أخيراً، على عبّاس تعيين حسين الشيخ نائباً له.
قرار منفصل عن حدث القطاع
الحال أنّ الحدث يأتي ترفيّاً مقارنة بالكارثة التي حلّت بقطاع غزّة منذ بدء حرب “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. تبدو “النكبة” الجديدة أكثر فتكاً من تلك الأولى عام 1948 وأكثر إيلاماً. تكفي قراءة جيوسياسية لاستنتاج تبدّل موازين القوى الدولية لمصلحة رواية إسرائيلية مهدِّدة لفكرة فلسطين ودولتها المستقلّة العتيدة. وفيما أظهرت كارثة غزّة حجم البون الذي يفصلها عن الضفّة الغربية داخل الدولة التي تعد بها القرارات الأممية، فإنّ قرار تعيين نائب للرئيس بدا منفصلاً عن حدث القطاع، ولا علاقة له براهن الغزّيّين والترتيبات المفترضة لذلك “اليوم التالي” الموعود.
لكنّ المفارقة أنّ تفصيلاً تنظيميّاً مهما كان شأنه في ترتيب قيادة منظّمة التحرير استنزف ردود فعل متشكّكة وشاجبة ومعترضة ومتبرّمة من داخل المنظمة كما من خارجها. شنّت حركة “حماس” هجوماً على قرار داخل تنظيم لا تنتمي إليه، واعتبرته تطوّراً يستجيب “لإملاءات خارجية”. ثمّ شمل الهجوم قرار تعيين نائب للرئيس، وكأنّها كانت راضية أساساً على الرئيس من دون نائب له. يشمل الهجوم شخص حسين الشيخ بالذات لاعتبارات تماسّه مع الطرف الإسرائيلي بحكم المهمّات والمناصب التي شغلها قبل ذلك، من دون أن تُظهر “الحركة” تفضيلها لأيّ مرشّح آخر. ولئن تصوّر “حماس” الأمر “مصيبة” تستحقّ موقفاً “تاريخيّاً”، فإنّ حملتها تقوم ضدّ “إثم” ارتكبته المنظّمة ومجلسها المركزي وتتجاهل تماماً “الخطيئة” التي قادت إلى كارثة “الطوفان” وعدميّته.
أهداف خفيّة
ينسحب هذا “الزلزال” الذي أغضب “حماس” على فصائل فلسطينية أخرى عابت على الحدث عدم ديمقراطيّته وابتعاده عن الورشة الموعودة الكبرى للإصلاح. وتتشارك تلك الفصائل مع “حماس” في اكتشاف حذق لمؤامرة إملاءات خارجية (غريبة جدّاً عن تاريخ الفصائل و”حماس” بالذات!) تخطّط أن يكون للرئيس نائب من أجل أهداف خفيّة. وفي ذلك هروب من مسؤوليّة كلّ النظام السياسي الفلسطيني، بالموالين والمعارضين وأهل الحرد، عن إعطاء أجوبة جذرية تاريخية على أسئلة مصيريّة تداهم الفلسطينيين قضيّةً وبقاء.
فيما أهل غزّة يعيشون “قيامة” بحيث بات الموت عدداً والحياة صدفة، بات ذلك من العاديّات المملّة للعقل الفلسطيني السياسي، بحيث يتلهّى في اتّخاذ الموقف تلو الموقف ضدّ “كارثة” تعيين الشيخ نائباً لعبّاس.
لا نتدخّل في حبكة تصعيد الشيخ إلى قمّة القيادة والتقويمات المتعدّدة لكفاءاته ومساراته صوب أعلى الصفوف، فذلك شأن يناقشه “أهل مكّة” وهم الأدرى بشعابها. ولطالما كانت قرارات تنظيم السلطة منذ عهد الراحل ياسر عرفات خليطاً من “كولسة” وهمهمات “قصور” وتقاطعات قوى إقليمية ودولية.
غير أنّ الوضع الفلسطيني، في شقّه السلطوي الداخلي أو تشظّي صفوفه ووهن أدائه، بات هامشيّاً داخل المشهد الدولي إلى درجة استغراب اهتمام القوى الكبرى بالضغط من أجل إصلاح شأنه وترميم هياكله. حتّى إنّ الإملاءات، التي وجد فيها الغاضبون حجّة نقد واستنكار، تبدو نعمة وجب التشبّث بها لأنّها دليل وجود واعتراف من جهة، ودليل استمرار الحاجة إلى هيكل قيادي فلسطيني داخل ما قد يدبّر من جهة أخرى.
تبدو الإرادة الخارجية عاملاً يحتاج إليه الفلسطينيون للدفع بما لا يستطيعونه من خلال ديناميّاتهم الذاتية. لم يستطيعوا رأب الصدع بين “فتح” و”حماس”، ولم يستطيعوا قبل “الطوفان” استعادة الوصل بين الضفّة والقطاع، ولم يستطيعوا تجديد النظام السياسي الفلسطيني وترشيقه. قد لا يتحمّل الفلسطينيون وحدهم وزر معضلات يتداخل فيها عامل الخارج ومصالح الدول و”صراع الأمم”. غير أنّ هذه الحقيقة يمكن قراءتها بشكل آخر أيضاً، إذ تبدو فلسطين داخل حسابات الكبار وليست هامشاً ثانويّاً لها، وتستحقّ، وفق ذلك، تدخّلات وإملاءات تضع الجسم الفلسطيني في متن “اليوم التالي” وحساباته.
الضّغوط الخارجيّة فعلت فعلها
قد يُقال الكثير عن شخص الشيخ والحكمة من اختياره مرشّحاً عزيزاً على قلب الرئيس. وقد يرتاب كثيرون من نوعية الصلاحيّات التي قد يتمتّع بها أو يُحرم منها. وقد يرى بعض المستشرفين صراعاً على السلطة مقبلاً ولو بعد حين. غير أنّ حقيقة أنّ قرار عبّاس يرضخ لضغوط خارجية تؤكّدها بيانات الإشادة الصادرة من الخارج، والتي تجد في استحداث منصب نائب الرئيس وتعيين الشيخ “إجراءات إصلاحية”. ولئن يُخرج الحدث بالحدّ الأدنى أداء السلطة من رتابة وشلل، فإنّ نجاعة ما يُزعم من إصلاحات ستُقاس بقدرة هذا التطوّر وأصحابه (عبّاس – الشيخ) على إعادة اللحمة إلى حركة “فتح” ما دام من الأوهام تخيّل وحدة تجمعها مع حركة “حماس”… إلّا إذا نجحت “إملاءات خارجية” في ذلك بعونه تعالى.
محمد قواص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.