لا يحمي لبنان إلاّ سلاح الشرعية

31

كتب عوني الكعكي:

ما جرى في منطقة بعلبك والهرمل عند وصول الجيش اللبناني ليتمركز في الضيعة، غير مقبول لا بل مرفوض في جميع الحالات.

صحيح أن هناك أحزاباً في المنطقة، وعناصرها يختبئون وراء الأهالي ووراء العشائر ووراء المهربين الذين أصبحوا يشكلون حالة أمر واقع، إذ يُقال إن هناك أكثر من 2 مليار دولار سنوياً موزّعة بين المخدرات والتهريب من البضائع المفقودة في الأسواق السورية، هي ناتج عمليات التهريب.

بصريح العبارة، إن هناك مصالح كبرى تفرض نفسها على الواقع. إذ استغلت جماعات حالة الفلتان، وسبب هذا كله السلاح غير الشرعي.

على كل حال، معركة حوش السيد علي وبلدة حاويك هذا يكشف أن «الفلتان» الموجود على الحدود بين لبنان وسوريا، لا يمكن أن يبقى كما هو. الأنكى أن الذين يحملون السلاح ويدّعون أنه لمحاربة إسرائيل والدفاع عن اللبنانيين.

لهؤلاء أقول: إنّ كل لبناني وطني لا يمكن أن يُنْكر أن «الحزب» حرّر لبنان من العدو والاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ بحجة إخراج المقاومة الفلسطينية، وإذا به وصل الى بيروت وحاصرها لمدة 100 يوم، واستمر هذا الاحتلال لغاية عام 2000.

وبفضل الأبطال المقاومين، الذين استطاعوا أن يجبروا إسرائيل على الانسحاب عام 2000، أي بعد احتلال دام 18 سنة. والأهم أن الانسحاب كان غير مشروط، مع إبقاء «مسمار جحا» أعني مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

هذا النجاح دفع بالمقاومة أن تتحوّل الى سلطة فدخل أعضاوها المجلس النيابي عام 1992، ثم دخلوا الحكومة في تموز (يوليو) 2005.

وتحوّلت المقاومة الى سلطة تريد أن تحكم، وبالفعل أصبح البلد تحت سيطرة «الحزب»… إذ لا يتعيّـن أي رئيس للجمهورية إلاّ بعد موافقة «الحزب» وإلا بقيت الدولة بدون رئيس لمدة سنة أو سنتين. كذلك الحال بالنسبة لتشكيل الحكومات، إذ لا تتشكل أي حكومة إلاّ بعد موافقة «الحزب» على أسماء الوزراء والحقائب الوزارية حتى ولو استغرق ذلك سنة أو أكثر. بينما الولادة الطبيعية لأي حكومة يجب أن لا تتعدّى الأسبوعين.

أقحم «الحزب» لبنان عام 2006 بحرب مع إسرائيل سمّاها «الانتصار الإلهي» حيث خسرنا «7000» بين مقاتل ومدني والجيش اللبناني، مع خسائر مادية تصل الى 5 مليارات دولار.. كل هذا ونقول نحن انتصرنا، ولم يكن انتصارنا عادياً بل انتصاراً إلهياً.

جاءت عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر عام 2023، فدخل «الحزب» المعركة تحت شعار «إسناد أهلنا في غزة». وهذه نقطة تسجّل لشهيد فلسطين السيّد حسن نصرالله الأمين العام للحزب الذي دفع حياته ثمناً لهذه المساندة.

نأتي الى الفرص التي عُرضت على «الحزب»، والتي رفضها. نبدأ من الشهر الأول لحرب «طوفان الأقصى» ومجيء المندوب الأميركي آموس هوكستين، حيث عرض على لبنان انسحاباً كاملاً حتى من الـ «13 نقطة» المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل.

والمصيبة الأكبر أنّ المندوب الأميركي عرض على لبنان هذا الاتفاق 13 مرّة، و «الحزب» يجدّد رفضه لما تقدم به هوكستين.

اليوم وبعد خسارة شهيد فلسطين السيّد حسن نصرالله، ومعه ابن خالته السيد هاشم صفي الدين والقائد العسكري فؤاد شكر وقادة الصف الأول من «الحزب»، وبعد التدمير الذي حصل في جنوب لبنان وبقاعه الغربي والأوسط والشمالي، والكارثة الكبرى التي لحقت بالضاحية الجنوبية التي دمّرت دماراً شبه كامل، والسلاح الذي صادرته إسرائيل في الجنوب بعد أن تركه المقاتلون لأنهم لم يستطيعوا أن يتصدّوا للطيران الإسرائيلي الذي كان يصطاد المقاتلين كالعصافير… أقول: بعد هذا كله، تبدّلت الأحوال وصرنا بحاجة الى حلّ جذري بعد هذه الحرب التي باتت كلفتها حوالى الـ16 مليار دولار لإعادة بناء ما هدمته إسرائيل.

نقطة أخيرة، لا أستطيع أن أفسّر أن الإنجاز الذي حققه «الحزب» هو أنه أجبر 80 ألف مواطن إسرائيلي على الهروب من شمال فلسطين، بالمقابل هجّرت إسرائيل 800 ألف مواطن من الجنوب.. فأين ميزان الربح والخسارة في هذه المقارنة؟

أظن أن وصول رئيس كالرئيس جوزاف عون الى الحكم ومعه رئيس الوزراء القاضي نواف سلام الذي يُشهد له العالم أنه القاضي الوحيد الذي تجرّأ على إصدار حكم على رئيس الحكومة الإسرائيلية وإسرائيل بتهمة الإبادة للمرّة الأولى في التاريخ، هي فرصة تاريخية للبنان، فدعونا نترك السلاح ونسلّم أمرنا للشرعية اللبنانية التي هي الجهة الوحيدة التي تمثل كل اللبنانيين، ونقف الى جانبها.

أما الذين لا يزالون يحملون السلاح، فأدعوهم من كل قلبي الى التفكير فنحن أمام فرصة تاريخية لنسلم الأمر لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي ليتفاوضوا مع العدو الإسرائيلي من خلال أميركا لأنها السلطة الوحيدة التي تستطيع أن تجبر إسرائيل على التزام حدودها مع لبنان.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.