واشنطن “غير متحمّسة” للانفتاح على الشّرع

16

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

لا تزال الدول الأوروبية والعربية المعنيّة بالوضع السوري تنتظر تبلور سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه الإدارة السوريّة الجديدة، مع وجود مؤشّرات إلى أنّ واشنطن غير متحمّسة لصرف رصيد دبلوماسي في سوريا، وتفضّل انتهاج سياسة قائمة على المصالح الأمنيّة الضيّقة، في ظلّ عدم وجود ارتياح لشخص الرئيس أحمد الشرع ولتاريخه الجهادي مع منظّمات إرهابية لا تزال واشنطن في حرب عالمية معها.   

مع دخول ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية شهرها الثاني، يبدو أنّ سياسة ترامب تجاه سوريا تميل إلى تقليل التدخّل المباشر، مع قبول ضمنيّ لدور هيئة تحرير الشام ما دامت تخدم المصالح الأميركية عبر الحلفاء، خاصة تركيا. لكنّ القرارات الجوهرية بشأن الوجود العسكري الأميركي وتصنيف هيئة تحرير الشام والتعامل مع زعيمها أحمد الشرع لا تزال غير محسومة في ظلّ بيئة سياسية وأمنيّة متغيّرة، ورغبة واشنطن بربط أيّ تعاون مستقبليّ أو تغيير في السياسة بالتعاون الأمنيّ العمليّ، واستعداد الحكومة السوريّة لاتّباع سياسات تنسجم مع توجّهات إدارة ترامب في المنطقة وأجندة “أميركا أوّلاً”.

لطالما أعرب ترامب عن رغبته في تقليل التدخّل الأميركي في سوريا، متمسّكاً بنهجه القائم على مبدأ “أميركا أوّلاً”. خلال الفترة الانتقالية في كانون الأوّل 2024، وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق وسقوط نظام بشار الأسد، كتب ترامب على منصّته “تروث سوشيل”: “سوريا فوضى، لكنّها ليست صديقتنا، والولايات المتحدة يجب ألّا تتدخّل. هذه ليست معركتنا. دعوها تأخذ مجراها. لا تتورّطوا”.

مصالح استراتيجيّة

يشير هذا التصريح إلى تفضيل ترامب للانسحاب وعدم الانخراط المباشر في الصراع، وهو ما يتماشى مع خطابه الانتخابي الرافض للحروب الخارجية. وأكّد هذا الموقف مجدّداً في مؤتمر صحافي في 16 كانون الأوّل 2024، موضحاً أنّه لا يريد تعريض الجنود الأميركيين للخطر في سوريا، خاصة بعد التغيّرات الكبرى التي شهدتها البلاد.

على الرغم من ميله إلى الانسحاب، لا تبدو سياسة ترامب انعزالية بالكامل، بل تتأثّر بمصالح استراتيجيّة تشمل تركيا، وإسرائيل، ومكافحة تنظيمَي داعش والقاعدة. في مقابلة أجريت في كانون الأوّل 2024، أشار ترامب إلى أنّ هيئة تحرير الشام أصبحت تحت “سيطرة تركيا”، مضيفاً: “هذا جيّد… إنّها طريقة أخرى لمواجهة التهديدات”.

يُفهم من هذا التصريح أنّ ترامب قد يتسامح مع وجود هيئة تحرير الشام ما دامت تتماشى مع مصالح حلفاء واشنطن، مثل تركيا وإسرائيل، وتساهم في مواجهة النفوذ الإيراني أو بقايا تنظيم داعش. وتجدر الإشارة إلى أنّ علاقة ترامب بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان كانت وثيقة خلال ولايته الأولى، إذ وافق في 2019 على سحب القوّات الأميركية من شمال سوريا، مثيراً جدلاً حول تخلّيه عن الحلفاء الأكراد.

حتّى الآن، لم يحدّد ترامب موقفه من هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، إذ لا تزال الجماعة مدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية. وكانت إدارة بايدن قد بدأت في أواخر 2024 بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا لدعم إعادة الإعمار، وألغت مكافأة الـ10 ملايين دولار التي كانت مرصودة للشرع. ولم يتّضح بعد هل كان ترامب سيبقي على هذه الإجراءات أم سيتراجع عنها.

يُعتبر التركيز على منع عودة داعش الأولويّة القصوى، خصوصاً أنّ سوريا لا تقع تحت مجهر ترامب من وجهة نظر تجارية لغياب الثروات فيها، فالثروات هي المحرّك الأساس في السياسة الخارجية في سعيه “لجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى”.

دور جديد لروسيا

فريق الرئيس ترامب للأمن القومي لا يوجد فيه أشخاص يولون الملفّ السوري أهمّية، خارج سياق الحرب على الإرهاب وأمن إسرائيل، وخصوصاً بعد خروج سوريا من دائرة النفوذ الإيراني. وتماشياً مع نهجه في السياسة الخارجية، فإنّ أيّ تغيير في رفع العقوبات والسماح بتدفّق المساعدات للإعمار يجب أن يكون مرتبطاً بالمنافع التي ستعود على واشنطن من جرّاء ذلك. ترامب الذي يرغب بتطبيع العلاقات مع روسيا، قد لا يمانع أن يكون لروسيا دور متجدّد في مستقبل سوريا من أجل الحفاظ على التوازنات في المنطقة، والحدّ من تعاظم النفوذ التركي الذي يقلق بعض المحيطين بترامب.

الاعتبار الأمنيّ هو الذي يحكم مقاربة واشنطن للوضع في سوريا، ولذلك موقف مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد سيكون وازناً في رسم السياسة الأميركية تجاه سوريا مرحليّاً.

خلال جلسة الاستماع لتأكيد تعيينها، أبدت غابارد موقفاً متحفّظاً تجاه القيادة الجديدة في سوريا، محذّرة من “الطبيعة المتطرّفة” لهيئة تحرير الشام وتأثيرها على استقرار المنطقة.

سبق أن أثارت غابارد الجدل بسبب لقائها بشار الأسد في 2017، الذي اعتبره كثيرون تلميحاً لتطبيع العلاقات مع نظامه. وخلال جلسة الاستماع، دافعت عن اللقاء قائلة إنّه كان “ضروريّاً لفهم تعقيدات الأزمة السورية”، لكنّها أكّدت أنّ ذلك لم يكن تأييداً للأسد، وإنّما كان بهدف البحث عن حلول سلميّة.

يرتبط الوضع في سوريا بكثير من الملفّات أو تعقيدات المنطقة. وباستثناء الحرب على الإرهاب، من المتوقّع أن لا تتورّط الإدارة الأميركية بأيّ من الملفّات السورية الداخلية. أمّا ما يخصّ إسرائيل، فتعتقد واشنطن في عهد ترامب أنّ إسرائيل وصلت إلى مرحلة من القوّة تستطيع أن تحمي مصالحها وأمنها، ويمكنها الاعتماد على حماية واشنطن الدبلوماسية ودعمها العسكري عند الحاجة.

موفق حرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.