فريد زكريا: الشرق الأوسط الجديد يولد الآن
بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
بالنسبة للمحلل السياسي الشهير المذيع في شبكة “سي ان ان” والكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” فريد زكريا، يبدو التقارب بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، تحت قيادة دونالد ترامب، أمراً لا مفر منه.
يعتبر زكريا الذي يقدم برنامج “فريد زكريا جي بي إس”، “أنّ السعودية أولوية بالنسبة لترامب. فهو يحب المال ورجال الأعمال. والسعودية هي، في نظره، الدولة التي تمتلك أكبر قدر من السيولة النقدية في العالم. ويرى أنّها الدولة الوحيدة التي تمتلك احتياطيات كافية من النفط لخفض سعر البرميل.
أما بشأن العلاقة مع إسرائيل، فالسؤال بالنسبة لزكريا هو، ليس ما إذا كان التقارب بين المملكة وإسرائيل سيحدث، بل متى سيحدث؟ ويعتبر السعوديون ذلك مصلحة وطنية. إن ما يحتاجون إليه هو فقط التوصّل إلى شكل من أشكال الاتفاق المقبول بشأن الفلسطينيين. وعند هذه النقطة، سيكون هناك شرق أوسط جديد حقاً.
يضيف: “في الشرق الأوسط القديم، كانت البلدان الأكثر سكاناً – مصر، وإيران، والعراق، وغيرها – هي الأقوى. وفي الشرق الأوسط الجديد، فإنّ الدول الأصغر هي التي تهيمن على اللعبة: إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر. وكان الشرق الأوسط أيضاً هو المكان الأخير الذي يمكن لروسيا أن تفرض فيه نفسها كقوة عالمية. ولكنها خسرت سوريا. كما فشلت الصين في تحقيق مكاسب كبيرة في المنطقة. ونحن نشهد الآن تحولاً مذهلاً في السلطة. والمستفيدون الرئيسيون هما المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
لا للتحوّل إلى المعسكر الصيني
يعتبر زكريا أنّ السعودية توددت إلى الصين عندما شعرت أنّ الولايات المتحدة لم تكن توليها ما يكفي من الاهتمام. وهذا ما حدث خلال فترة جو بايدن.
لكن في الأساس، لا تملك المملكة الوسائل للتحول إلى المعسكر الصيني. فكل اقتصادها وكل تكنولوجيتها وكل معداتها العسكرية صممها الأميركيون ولصالحهم منذ إبرام شراكتهم عام 1945. وإذا لعبت الولايات المتحدة أوراقها بشكل صحيح وهذا ما يركّز عليه ترامب بشدة فلن تميل المملكة العربية السعودية إلى جانب الصين. سيكون ذلك تغييراً كبيراً جداً بالنسبة لها بعد ثمانية عقود من التعاون العميق مع الولايات المتحدة.
يشير زكريا إلى أنّه على الرغم من الفظائع الإسرائيلية المرتكبة في غزة، لم يتراجع أي من الموقّعين على اتفاقيات إبراهام، ولم تسارع الإمارات العربية المتحدة والمغرب إلى استدعاء سفيريهما. وهذه إشارة قوية إلى أنّ هذه الدول العربية تريد فعلاً إقامة علاقات مع إسرائيل.
لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان التهدئة في غزة مستدامة، وما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق بشأن الفلسطينيين يرضي السعودية وفي نفس الوقت لا يمثل تنازلاً كبيراً في نظر الحكومة الإسرائيلية. إنّ إسرائيل هي المشكلة الحقيقية اليوم، فحتى لو حصلت السعودية على التزام بإنشاء دولة فلسطينية من دون أي قيود زمنية، فإنّ هذا سيظل غير مقبول بالنسبة للحكومة الإسرائيلية الحالية.
إسرائيل تحوّلت إلى اليمين خلال العشرين عاماً الماضية، ولم يعد اليسار موجوداً هناك. الشيء الوحيد الذي يهتم به نتنياهو ليس الضغط السياسي من يساره، بل من يمينه.
إيران ضعيفة للغاية
إلى ذلك، قال زكريا: تبدو إيران اليوم ضعيفة للغاية، ولكنّ الإيرانيين يتمتعون بروح قومية قوية، وهو ما مكّنهم من البقاء على قيد الحياة لمدة ثماني سنوات من الحرب الإيرانية العراقية. لا أعتقد أنّ النظام سينهار، ولن يقوم بأي عمل استفزازي مثل اللجوء إلى الأسلحة النووية. إيران تستفيد أكثر إذا بقيت على بعد خطوة واحدة من الحصول على الأسلحة النووية بدلاً من تجاوز الخط الأحمر. ذلك، لأنّ عبورها لهذا الخط قد يتسبب في رد فعل إسرائيلي، ورد فعل أميركي، وإدانة دولية… ومن خلال البقاء على هذا الخط، تخبر الجميع أنّ لديها القدرة على ذلك. يقال منذ عشرين عاماً إنّ إيران قادرة على امتلاك الأسلحة النووية، ولو أرادت أن تفعل ذلك لفعلته!
يضيف: السؤال الذي يجب ان تطرحه الولايات المتحدة اليوم هو: هل هناك فرصة لاتفاق جديد نظراً لهذا الموقف الضعيف؟ لأنّ الجمهورية الإسلامية بحاجة ماسة إلى الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا من الخارج، بإمكانها قبول شكل من أشكال الاتفاق النووي والتوقّف عن دعم وكلائها. لكنها لن تكون مستعدة للتفاوض إلا إذا حصلت على شيء في المقابل، مثل رفع العقوبات أو التكامل الوثيق مع العالم.
لكن الموقف الأميركي الحالي تجاه إيران ليس إلا “الضغط، الضغط، الضغط”. كيف يمكن أن نتوقع منها قبول أي شيء في ظل هذه الظروف؟ النظام الإيراني عقلاني للغاية. صحيح إنّ أيران دكتاتورية تعامل شعبها بشكل سيئ للغاية، وترمي الآلاف في السجون، وتتصرف بشكل فظيع مع النساء، ولكن هذا لا يعني أنّ القادة الإيرانيين ليسوا عمليين بشأن بقائهم!
ترامب قائد الشرق الأوسط
هل يمكن أن يكون ترامب رئيساً جيداً بالنسبة للشرق الأوسط؟
في رأي زكريا، يمكن أن يحدث ذلك، لأنّ هناك الكثير من الأمور في الشرق الأوسط التي تحتاج إلى التفكير بطريقة جذرية. وقد تكون هناك مقاربة جذرية تجاه إيران تتمثل في إيجاد وسيلة للتفاهم معها. المسألة الوحيدة التي يتوخى الحذر فيها هي فيما يتعلق بإسرائيل.
يقول: أنا من المؤيدين بشدة لعلاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل، ولكن إذا قامت إسرائيل بشيء نعتقد أنه غير عادل، هل هناك وسيلة للضغط على حكومتها؟ هنا يبدو أنّ ترامب غير مستعد لاستخدام جميع الأدوات المتاحة له، لكنه يبقى غير متوقع. إذا بدأ في التفكير بأنّ نتنياهو لا يلعب اللعبة، فقد يشدد لهجته. ونتنياهو يحتاج إلى ترامب إذا وجد نفسه في موقف حيث يصبح الاتفاق مع السعودية احتمالاً حقيقياً، وهو يحتاج إلى المساعدة الأميركية في غزة. ومن الممكن أن تتزامن مجموعة من الظروف بحيث يمكن أن نشهد تحولاً حقيقياً في الشرق الأوسط. ولكن لكي يحدث ذلك، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة أن تكونا على نفس الموجة.
زكريا الذي تحدث إلى مجلة “اكسبرس” الفرنسية بعد حضوره منتدى دافوس الاقتصادي، يعتقد أنّ أغلبية النخب الاقتصادية مقتنعة بأنّ إجراءات إلغاء القيود التنظيمية التي يطبقها دونالد ترامب ستكون إيجابية للاقتصاد”. ويشير إلى خشية الأوروبيين، على وجه الخصوص، من سياسة أميركية عدوانية.
ترامب هو شخصية من القرن التاسع عشر، بحسب زكريا. فهو يحب هذه الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة شابة، وقوية، وأحادية الجانب، ولم يكن عليها أن تقلق بشأن التحالفات الملزمة. ترامب يستمتع باستعراض القوة الخام. وهو معجب بويليام ماكينلي، الرئيس من 1897 إلى 1901، الذي ساهم في التوسع الأميركي، حيث قاد حرباً ضد إسبانيا للسيطرة على كوبا وبورتو ريكو والفلبين. وفي القرن التاسع عشر، فكرت الولايات المتحدة أيضاً في شراء غرينلاند.
إيمان شمص
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.