الأحكام العرفيّة قبل الولادة

87

بقلم فوزي عساكر
«رئيس تحرير مجلة العالمية»
نحن شعبٌ عجيب غريب، لا الشمس ترضينا، ولا القمر يكفينا؛ في الصقيع نشتكي من الدفء، وفي الحرّ نشتهي التزلّج؛ حتى أنّ الله بذاته الإلهية لم يُرضِنا.
كان لبناننا من دون رئيس جمهورية ومن دون حكومة، فهاجمْنا كوكب الـمرّيخ الـمعادي… وما إن أنعمَ الله علينا برئيس جمهورية وحكومة، حتى أصدرنا الأحكام العُرفية قبل ولادة الحكومة، من دون أن نعطي رئيسها ووزراءها يومًا واحدًا لإعداد البيان الوزاري. فبربّكم ماذا نريد؟!
لبنان هو الدولة الفريدة في العالم، التي يفتّش زعماؤها عن الثّلث الـمعطِّل قبل تأليف الحكومة، ويُحاكمونَها قبل ولادتها، ويُهدّدون بحجب الثقة عنها قبل صدور بيانها الوزاري… حتى بات التفتيش عن الثلث الـمعطِّل أهمَّ من التفتيش عن وطن! فمع هذا الشعب لا تُجدي نفعًا كلّ التضحيات… نَحن كشعب موسى، الذي ما إن جاع في البرية، حتى صنع له عجلاً من الذهب ليسجد له ونكرَ الإله الحقّ! فصحَّ فينا القول: «لو أمطرت السماء حريّة، لحملَ العبيد الـمظلاّت».
ويحضرني ما قاله «محمد رشيد رضاـ (وهو من أبرز المفكرين والمصلحين في العصر الحديث، من القلمون شمال طرابلس)ـ: «الثائر لأجل مجتمع جاهل، يشبه مَن أضرمَ النار بجسده كي ينير الدرب لشخصٍ أعمى».
وأمثلةٌ كثيرة عن شعبنا الذي يقارب الوطن مع مصالحه الشخصية، وهو مستعدّ للتضحية بالوطن والدولة من أجل رطلِ طحين.
عندما أُلقيَ القبض على الـمناضل «تشي غيفارا» في مخبئه- (وهو ثوري أرجنتيني لعب دورًا في الثورة الكوبية)، وذلك بعد أن بلّغ عنه راعي الغنم، سأل أحدهم الراعي: «لِماذا بلّغتَ عن رجل أمضى حياته في الدفاع عن حقوقكم؟»، أجاب: «كانت حروبه مع العدوّ تُخيف أغنامي!»
أمّا «محمد كريم»ـ (أحد أبرز القادة الوطنيين في مصر أيام نابوليون)- وبعد مقاومته للحملة الفرنسية على مصر، فتمّ القبض عليه وحُكمَ بالإعدام. فقال له نابوليون: «يؤسفني أن أعدم رجلاً مناضلاً دافع عن بلاده، ولا أريد أن يذكرني التاريخ بأنني أعدمتُ بطلاً يدافع عن وطنه. لذلك عفوتُ عنك مقابل عشرة آلاف قطعة من الذهب تعويضًا عمّن قتلتَهم من جنودي». قال له «محمد كريم»: «لا أملك المال الكافي، ولكن لي دَين عند العديد من التجار بأكثر من مئة ألف قطعة من الذهب.» فسمح له نابوليون بتحصيل أمواله من التجار، فجال عليهم وهو مقيّد بالأغلال ومُحاط بالجنود الفرنسيين، آملاً بأن يسدّدوا ديونهم وهو لطالـما ضحّى لأجلهم، فاتّهموه أنّه كان سببًا في دمار الإسكندرية وانهيار الأوضاع الاقتصادية ولم يستجيبوا له.
رجعَ إلى نابوليون خائبًا، فقال له نابوليون: «سأعدمكَ ولكن ليس لأنك قاومْتَنا وقتلتَ جنودنا، إنّما لأنك دفعتَ حياتك مقابل أناس جبناء، تشغلهم تِجارتُهم عن حرية الوطن!
أيّها اللبنانيون… لا تطمئنّوا بأنّ نابوليون قد مات، ففي عصرنا، الرئيس المجنون ترامب، تكفّلَ بإبادة الشعوب وقادتهم. فيا شعب لبنان، لا تُصدر الأحكام العرفية على حكومة ما زالت في الحضانة، إنّما صلِّ كي تقودَ البلاد وتَمحو الفساد!
فوزي عساكر

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.