انخراط سوريا في المجتمع الدّوليّ من البوّابة السّعوديّة
بقلم وليد شقير
«أساس ميديا»
بدأت سوريا رحلة الانخراط في المجتمع الدولي بزيارة رئيسها أحمد الشرع المملكة العربية السعودية أوّل من أمس، بعد سنوات عزلة فرضها النظام الأسديّ. الاحتضان السعودي (لها في) لا يقتصر على العلاقة الثنائية، المهمّة في كلّ الأحوال. ترسم الرياض بانفتاحها المندفع على دمشق دوراً إقليميّاً ودوليّاً فائق التأثير في مستقبل المنطقة، وسط التحوّلات الزلزاليّة.
استقبال وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الشرع منطلَقٌ لمساهمة عربية في “المرحلة الجديدة” في المنطقة بملامحها على المديَين القريب والبعيد.احتضان سعوديّ… مقابل توغّلات نتنياهو
ليست مصادفة أن تتزامن المحادثات السعودية – السورية مع انتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب. فالرياض سعت لدى واشنطن لوقف التوغّلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية. تشير التقارير إلى أنّ هدف تل أبيب من وراء عملياتها العسكرية هو استدراج حكّام دمشق الجدد إلى معاهدة سلام معها، في سياق طموح نتنياهو إلى “تغيير الشرق الأوسط” على طريقته.
لكنّ معطيات “أساس” تشير إلى أنّ القيادة السوريّة ستبقى ملتزمة الإيقاع السعودي حيال أيّ توجّه للإدارة “الترامبيّة” للتطبيع العربي مع تل أبيب. والرياض متمسّكة بشرط قيام الدولة الفلسطينية قبل أيّ تطبيع. وعليه، تستبق الرياض أيّ بحث مع ترامب في أوضاع المنطقة، بتحوّلها إلى مركز لمحور عربيّ له ثقله في قابل الأيّام.
التّفاهم مع تركيا… ورعاية سوريا ولبنان
من جهة أخرى، أوضح مصدر سوريّ واسع الاطّلاع لـ”أساس” أنّ زيارة الشرع الرياض تمّت بتنسيق مباشر مع القيادة التركيّة وتشجيع منها. فأنقرة تنسّق مع دول خليجية فاعلة حول الوضع في سوريا. وكان ذات دلالة أن يفتتح الشرع تحرّكه الخارجي بالرياض، ثم يكمله بزيارة تركيا بدعوة من رجب طيب إردوغان. وتناول وزير الخارجية التركي حقّان فيدان الوضع في بلاد الشام في محادثات أجراها في اليوم نفسه في قطر تتعلّق باتّفاق وقف النار في غزة وبسوريا. جاء ذلك بعد زيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لدمشق، تحت مظلّة تنسيق الدوحة الوثيق.
لاكتمال صورة الوضع الإقليمي الجديد، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ رعاية الرياض لسوريا الجديدة تتناغم مع رعايتها لانتقال لبنان إلى “المرحلة الجديدة”. ومثلما انتظر الشرع إعلانه رئيساً لبلاد الشام للانتقال إلى العاصمة السعودية، فإنّ الزيارة المرتقبة للرئيس اللبناني جوزف عون للرياض تنتظر ولادة الحكومة برئاسة القاضي نوّاف سلام. وتشمل تلك الرعاية التشجيع على إنجاز الحكومة بسرعة. وإذ اقترب إعلانها فسيكون على السياسيين اللبنانيّين الإقبال على تلقّف مغزى التحرّكات الإقليمية والدولية المحيطة بهم.
مبادئ مجلس التّعاون حيال سوريا والدّول المعنيّة
سبقت الزيارة مداولات أعقبت زلزال سقوط الأسد، أفضت قبل زهاء شهر إلى تحديد السعودية مقاربة استراتيجية للعلاقة مع سوريا. وتقول مصادر معنيّة بهذه المداولات لـ”أساس” إنّ هذه المقاربة انطلقت من اجتماع مجلس التعاون الخليجي في 26 كانون الأوّل الماضي. فالمملكة بكّرت في استكشاف سبل التعاطي مع التحوّل الكبير في سوريا، وحيال موقعها في الجغرافيا السياسية للمنطقة. وأوحت المصادر بأنّ دول المجلس الستّ ستنتهج سياسة موحّدة حيال بلاد الشام تقوم مبادئها على الآتي:
إسرائيل وروسيا وأميركا وإيران
1- احترام سيادة سوريا على أراضيها واستقلالها السياسي، وإنهاء التدخّل في شؤونها الداخلية وترك السوريين يعالجون تبايناتهم. وهذا يعني:
– أن تتوقّف إسرائيل عن هجماتها ضدّ سوريا، التي كثّفتها منذ كانون الأوّل، بعد احتلالها أراضي إضافية لضمّها للجولان.
– أن تكفّ إيران عن التدخّل، بعدما أعرب بعض المسؤولين الإيرانيين عن مواصلة سياسة تثير الانقسام الطائفي.
– أن تحترم روسيا، كما أعلنت، تطلّعات الحكم الجديد في ما يخصّ وجودها العسكري في البلاد (وهو أمر بقي معلّقاً بنتيجة محادثات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومبعوث الرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف مع الرئيس أحمد الشرع الثلاثاء الماضي).
– أن تحيل تركيا وأميركا إلى دمشق حلّ قضيّة الكرد في شمال شرق البلاد. وهناك مراهنة على أن تنسجم إدارة الرئيس دونالد ترامب مع ذلك، فيما الموقف التركي “غامض”.
المصالحة الوطنيّة… والتّعافي المبكر والأمن الإقليميّ
2- دعم عمليّة انتقالية شاملة من الحقبة الأسديّة القائمة على الانقسام الطائفي، ومحاسبة مرتكبي فظاعات النظام تقتضي مصالحة وطنية تشمل من لم ينتهكوا حقوق الإنسان، وتجنّب التمييز الطائفي والعرقي في الشراكة في السلطة، الذي ابتُلي به جيران سوريا.
3- دعم حلّ الميليشيات واحتكار الدولة حمل السلاح مع ضمان الحماية للجميع.
4- الترحيب بإعلان الحكّام الجدد أنّ سوريا لن تشكّل بعد الآن أيّ تهديد لجيرانها العرب، وستساهم إيجابيّاً في سلام وأمن الإقليم. فتحالف نظام الأسد “المديد” مع المتطرّفين في إيران، احتضن أعمال الإرهابيين و”أطلق” حرب المخدّرات ضدّ دول الخليج.
مجلس التّعاون والدّعوة لمؤتمر الإعمار
5- سيعمل مجلس التعاون مع شركائه الدوليّين لدعم الاستقرار والتعافي المبكر الملحّ في سوريا. الحرب أنهكت اقتصادها وانخفض دخلها القومي من 68 مليار دولار في 2011 إلى 9 مليارات خلال 10 سنوات. وانخفضت صادراتها من 12 مليار دولار إلى مليارين (85 في المئة)، وهو ما أحال النقص في أمنها الغذائي من 1 في المئة إلى 85 في المئة.
يتهيّأ المجلس للدعوة إلى مؤتمر دولي لتجييش مساعدة إنسانية وتنموية، إضافة إلى تلك التي تقدّمها الدول الخليجية تباعاً. وهو غير المؤتمر الذي دعت إليه فرنسا في 13 الجاري ويتناول الجانب السياسي، ويضمّ الدول العربية وتركيا والدول الغربية. وينتظر أن يتناول رفع العقوبات على وقع التقدّم في قيام حكم جديد يلاقي معايير الانتقال إلى الديمقراطية والحكم الرشيد. وعلم “أساس” أنّ الرياض تمهّد لدعوة مجلس التعاون الخليجي إلى مؤتمر يُخصَّص لإعادة إعمار سوريا. وينتظر أن تجري مشاورات مع إدارة الرئيس ترامب في هذا الصدد.
6- أهمّية العودة الآمنة والطوعية المنظّمة للنازحين واللاجئين السوريين. وحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فإنّ المظهر الأكثر قساوة للحرب أدّى إلى نزوح 7.25 ملايين سوريّ في الداخل، وأكثر من 4.8 ملايين خارج الحدود، وهو ما يشكّل 52 في المئة من 23 مليون سوري بلا مسكن. والعودة تتوقّف على إصلاح البنى التحتية.
مواكبة الحوار الوطنيّ ورفع العقوبات
7- دعم إعلان الأمين العامّ للأمم المتحدة تعيين بعثة أممية جديدة تعاون السلطة السورية الجديدة في المرحلة الانتقالية. فتطبيع الحياة السياسية بالتزامن مع الخطوة المتقدّمة بدعوة الشرع إلى مؤتمر وطني للحوار مهمّ لترميم الوحدة الوطنية.
8- مساعدة مجلس التعاون على رفع العقوبات من قبل المجتمع الدولي وتقديم المساعدات الاقتصادية وتشجيع نموّ القطاع الخاصّ. يتزامن ذلك مع التعاون في محاربة الإرهاب والحؤول دون عودة سوريا إلى الفوضى، وإعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم. ويفترض بتركيا وأميركا اللتين تدعمان فصائل معارضة إنهاء الصراع في الشمال الشرقي، وبالولايات المتحدة أن تلجم إسرائيل.
9- انخراط سوريا إقليمياً لتلعب دوراً في استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة بدلاً من أن تكون عامل زعزعة لهذا الاستقرار كما في العقود السابقة.
معظم هذه المبادئ جاءت في مقال نشره قبل شهر الأمين العامّ المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون الخارجية والسياسية والمفاوضات عبدالعزيز العويشق الذي شارك في صوغ توجّهات دول الخليج حيال دمشق.
وليد شقير
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.