أهمية زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى السعودية

13

بقلم د. ابراهيم العرب
سياق الزيارة وأبعادها التاريخية
تكتسب الزيارة الأولى للرئيس السوري أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية، بعد أيامٍ من توليه منصبه في المرحلة الانتقالية، أهمية استثنائية في ظل التحوّلات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة. حيث تأتي هذه الزيارة تتويجاً لجهود دبلوماسية مكثّفة، سبقها زيارةٌ لوفد سوري رفيع إلى الرياض مطلع كانون الثاني 2025، ضمّ وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات، ما يؤشر إلى عمق الشراكة الناشئة بين البلدين. كما تُعدّ السعودية محطّةً محورية في سياسة دمشق الخارجية الجديدة، لا سيّما في مرحلةٍ تهدف فيها سوريا إلى إعادة إعمار ما دُمّر خلال سنوات الحرب وإعادة الاندماج في المحيط العربي والدولي.
الأسباب الاستراتيجية: الثقل السعودي والدور الإقليمي
1. الثقل الدولي للمملكة وتأثيرها الإقليمي:
تُعتبر السعودية لاعباً رئيسياً في صناعة التوازنات الإقليمية والدولية، لا سيّما مع دورها الفاعل في مجلس الأمن الدولي عبر العضوية غير الدائمة، وشراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والصين. وقد برهنت الرياض تاريخياً على قدرتها كوسيطٍ في الأزمات، كما في مبادراتها لحل الأزمات الإقليمية. ومن هنا، يرى المراقبون أن اختيار السعودية كوجهةٍ أولى يعكس سعياً سورياً للاستفادة من هذه الشبكة الواسعة من العلاقات لتحقيق الاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة، خاصةً بعد نجاح “اجتماع الرياض” في كانون الثاني 2025، الذي مهّد لقبول عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
2. رفع العقوبات: جسر العودة إلى النظام المالي العالمي
تبذل السعودية جهوداً دبلوماسيةً مكثّفةً مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتفكيك العقوبات التي فُرِضت على سوريا منذ 2011، حيث أسفرت المرحلة الأولى عن إعفاءاتٍ في قطاعات الصحة والطاقة، ما سمح بتدفق المساعدات الإنسانية وإعادة تشغيل بعض آبار النفط. وتركز الرياض حالياً على إقناع المجتمع الدولي بتبنّي “خارطة طريق” لرفع العقوبات تدريجياً مقابل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، وهو ما يُعتبر مطلباً رئيسياً للقيادة السورية لإنعاش الاقتصاد المنهك.
الجانب الإنساني: جسور الإغاثة والتعافي
أظهرت السعودية استجابةً سريعةً للأزمة الإنسانية في سوريا، حيث أطلقت “جسراً جوياً إغاثياً” من الرياض إلى دمشق وحلب، بالإضافة إلى قوافل برية عبر الأردن تنقل الأدوية والمواد الغذائية والكهربائية. وتجاوزت المساعدات السعودية 500 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الماضية، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، مع تركيزٍ على دعم القطاع الصحي المتضرر جرّاء الحرب. كما أعلنت الرياض عن تمويلها مشاريعَ لإعادة تأهيل البنية التحتية في مناطق مثل حماة والرقة، بالشراكة مع منظمات دولية، ما يُسهم في تخفيف معاناة مليوني سوري بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
الشراكة الاقتصادية: من الإغاثة إلى الاستثمار الاستراتيجي
1. رؤية 2030 كنموذجٍ للتحديث السوري:
أبدى الرئيس الشرع إعجابه بنموذج الإصلاح السعودي، خاصةً في مجالات التحول الرقمي والاستثمار في الطاقة المتجددة، معرباً عن رغبة سوريا في الاستفادة من التجربة السعودية في مكافحة الفساد وخصخصة القطاعات الخدمية. وتدرس دمشق حالياً إصلاح نظامها الضريبي وجذب الاستثمارات عبر إقرار قوانين تضمن حماية المستثمرين الأجانب، مستوحاةً من “الهيئة العامة للاستثمار” السعودية.
2. فرص الاستثمار في سوريا ما بعد الحرب
تتطلع الرياض إلى استثماراتٍ طويلة الأمد في سوريا، لا سيما في قطاعات النفط والغاز، حيث تمتلك شركة “أرامكو” خبراتٍ تقنيةً يمكنها إعادة تأهيل الحقول السورية، مثل حقل عمر في دير الزور. كما تُعتبر الزراعة والصناعات الصغيرة قطاعات واعدةً، مع إمكانية إنشاء مناطق صناعية سعودية-سورية مشتركة. ومن المتوقع أن تعلن الشركات السعودية الكبرى مثل “سابك” و”المراعي” عن مشاريع استثمارية خلال الأشهر المقبلة.
البُعد الجيوسياسي: سوريا في الاستراتيجية السعودية
ترى الرياض أن استقرار سوريا ضرورةٌ لأمن الخليج، خاصةً في مواجهة النفوذ الإيراني والميليشيات المسلحة، حيث أكّد وزير الخارجية السعودي أن “دمشق المستقرة ستكون حاجزاً أمام تصدير الأزمات”. من جهةٍ أخرى، تسعى السعودية إلى تعزيز دور سوريا في “تحالف الاعتدال العربي”، كبديلٍ عن المحور الذي دعم آخرين خلال الحرب. كما أن إشراك سوريا في مبادراتٍ إقليمية مثل “الشراكة الخضراء للشرق الأوسط” يُعتبر خطوةً لتعزيز التعاون البيئي والأمن الغذائي.
تحديات المستقبل ورهانات المرحلة الانتقالية
رغم التفاؤل الحالي، تواجه العلاقات السورية-السعودية تحدياتٍ عدّة، أبرزها:
– صعوبة توحيد الأراضي السورية مع وجود قوات أجنبية ونفوذ انفصالي في مناطق الشمال والشرق.
– الضغوط الدولية المشروطة لدعم سوريا، خاصةً من الكونغرس الأمريكي الذي يربط رفع العقوبات بتحقيق انتقال سياسي.
– التنافس الإقليمي، لا سيّما مع تحفظات بعض الدول الخليجية على التقارب السعودي-السوري.
نحو شراكة إستراتيجية شاملة
تُعتبر زيارة الشرع إلى الرياض نقطة تحوّل في العلاقات الثنائية، حيث تتحول السعودية من داعمٍ إغاثي إلى شريكٍ في إعادة الإعمار والاستقرار. وفي حال نجاح هذه الشراكة، قد تشهد سوريا نقلةً تنمويةً تُعيدها إلى خريطة الاقتصاد الإقليمي، بينما تعزز السعودية موقعها كقائدٍ إقليمي قادر على إدارة التحوّلات الكبرى. كما أن تعاون البلدين قد يُسهم في إعادة رسم تحالفات المنطقة، نحو نظامٍ عربي أكثر توازناً يقوم على المصالح الاقتصادية والأمن المشترك، وهذا ما نأمله بطبيعة الأحوال.
ختاماً، إن الهدف الأساسي للسياسة السورية الخارجية هو المساهمة في خلق وضع إقليمي ودولي يتمتع بالتعاون المشترك والاحترام المتبادل والشراكات الاستراتيجية، حيث تولي سوريا الجديدة أهمية خاصة لروابطها العربية، وتستمر في تعزيز علاقاتها مع الدول المجاورة، لا سيما المملكة العربية السعودية، وتواصل مسيرتها بحزم وإصرار، مما يرسم صورة قوية لها تزداد فعاليتها يوماً بعد يوم.
د. ابراهيم العرب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.