وفي غزة… مشهد تاريخي آخر
كتب عوني الكعكي:
مشهد تاريخي كبير… عكسته فرحة وسعادة أهل غزة لمناسبة وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع بعد عام وخمسة أشهر.
أهل غزة الشرفاء، الأبطال الصامدون الصابرون عبّروا عن فرحتهم بالصمود رغم ما عانوه من قتل وتنكيل وقهر… لكن قوة البقاء والصمود عندهم لم تتزحزح ولم تزل ولم تضعف.
من كان يتصوّر أن يصمد الشعب الفلسطيني 475 يوماً، تحت القصف الناتج عن أحدث القنابل وأهم الأسلحة الفتاكة ليلاً ونهاراً؟
من كان يصدّق أن غزة بقيت وصمدت من دون مستشفيات ومن دون مياه ومن دون أدوية ومن دون منزل واحد له سقف… فكل المنازل مسحت وسوّيت بالأرض.
لقد قامت الدنيا ولم تقعد… حين قام الشهيد الكبير البطل يحيى السنوار بعملية «طوفان الأقصى»… هذه العملية التي أدخلته التاريخ، وأنعشت آمال الفلسطينيين والعرب، بإحياء القضية الفلسطينية، وجددت حتمية «حلّ الدولتين».
«طوفان الأقصى» التي أدّت الى استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني، جلّهم من النساء والأطفال، وجرح ما يزيد على المائة ألف مواطن بريء.
لقد حقق البطل الشهيد يحيى السنوار، ما كان يصبو إليه رغم كلّ هذا الكمّ الهائل من القصف والعنف والتدمير. ومن أهم إنجازات السنوار:
أولاً: أعاد القضية الفلسطينية الى طاولة المفاوضات بعد أن كانت في «ثلاجة» النسيان.
ثانياً: يكفي الشهيد البطل يحيى السنوار، أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وعد بإقامة دولة فلسطينية من خلال «حلّ الدولتين».
إنّ هذا المشهد التاريخي في غزة، له من الروعة والدلالة ما يثير في أنفس كل المراقبين الفخر والاعتزاز.
وأعيد الى الذاكرة، ما كنت قد كتبته قبل أيام عن مشهد تاريخي آخر، تمثّل في تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وها أنذا اليوم وأنا أرى المئات من مقاتلي حركة حماس وشرطتها يجوبون شوارع قطاع غزة وهم يرفعون رؤوسهم علامة النصر المؤزّر، نتيجة إرغام العدو الإسرائيلي على وقف إطلاق النار، أرى مشهداً تاريخياً جديداً لكنه مشهد عربي فلسطيني خاص، مشاهد «فرحة» أهل غزة بعد عدوان وحشي سافر رغم معارضة نتنياهو ومراوغاته لتأخير وإلغاء وقف إطلاق النار تدلّ على أن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي لم يحقق أيّاً من أهدافه. إذ كان ضمن الأهداف التي حددها نتنياهو في بداية عدوانه اثر «طوفان الأقصى» وأقرّها «الكابينت»، سحق «حماس» وتدمير المقاومة، وارتبط هذا الهدف بتحطيم إرادة الغزيين قتلاً وحصاراً وتجويعاً وتشريداً وتهجيراً، ومنعاً لكل أسباب الحياة.
لكن الحروب بتضحياتها وآلامها، تُـحسب بخواتيمها.
لقد كانت قوات الاحتلال تستهدف تدمير غزة ومقاومتها وزيادة المعاناة الإنسانية، كجزء لا يتجزّأ من جريمة الإبادة الجماعية، وإشاعة الفوضى لإخضاع الفلسطينيين وتهجيرهم، وسط ظروف معيشية تهدف الى تدميرهم كليّاً. لكن وبخلاف التدمير الممنهج للقطاع، وارتكاب المجازر الوحشية، تشير التحليلات الإسرائيلية في معظمها الى حالة من الإحباط، مردّها أن الجيش الذي «لا يُقهر» تكبّد هزيمة عسكرية وأخلاقية وسياسية في غزة، في حين لم يحقق أيّاً من أهدافه المعلنة في الحرب، التي وضع نتنياهو وحكومته اليمينية سقوفها العالية.
لقد ارتبطت هذه الحرب العدوانية بمجازر غير مسبوقة في غزة، جعلت إسرائيل أكثر عزلة، وقادتها العسكريين والسياسيين وجُندها ملاحقين.
إلى ذلك، دفع أهل غزة أثماناً باهظة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي استعملت كل أدوات القتل والتدمير، وكل صنوف الانتهاكات والمجازر، ومحاولات الإبادة الجماعية.
لذلك، يأتي فرح أهل غزة بصفقة وقف إطلاق النار في معركة غير متكافئة مستحقاً، لأنهم انتزعوه بتضحياتهم وصمودهم من بين فكّي قوة عسكرية متوحشة ومتفلتة يقودها تكتل يميني بأجندات صهيونية دينية انتقامية.
أخيراً… يحق لنا أن نفخر بأبطال المقاومة الفلسطينية، الذين أثبتوا للعالم كله، أن الإيمان أقوى سلاح، أدى الى الصمود والنصر والثبات وانتزاع الحق من بين أيدي المعتدين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.