حديث الجمعة – نعمة الطمأنينة

9

المهندس بسام برغوت

الطُّمَأْنِينَة هي راحة النفس وسكونها وثباتها، وهي أعم من السعادة، لأن الطمأنينة دائمة والسعادة مؤقتة، والطمأنينة هي العامل الأهم في تحصيل تلك السعادة.

والطمأنينة أقوى من الأمن، يتضح ذلك في وصف القرية بأنها: «وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ» (سورة النحل).

الاطمِئنان واحدٌ من أهمّ الأمور التي تؤدّي إلى السعادة والراحة في الحياة، وهو في كثيرٍ من الأحيان من الأمور المُكتسبة التي يُمكن استجلابها بمعرفة أهمّ أسبابها والتمرّس عليها، فإن حرص الإنسان على معرفتها وتطبيقها نالَ بها هذا الكَنز العَظيم. كما أنّ اطمئنان النفس الداخلية لا يَعود بالفائدة على الفرد نفسه وحسب؛ بل على كلّ من حوله أيضاً؛ فالمُطمئن يسعى على الدوام إلى عكس هذا الشعور على الآخرين.

ان من الأسباب التي تُعين الإنسان على الشعور بالطمأنينة والسعادة النفسية في الحياة:

المحافظة على العبادة والطاعة: المداومة على طاعة الله وعبادته يُغذّي الروح وينشر فيها شعور الاطمئنان، حيث إنّ: «الصلاة « صِلةٌ بين العبد وخالقه، يقف فيها الإنسان بين يدي ربّه ويدعوه في سجوده. «والصيام» يُقوّي إرادة صاحبه في ضبط نفسه وكبحها عن الشهوات، ويضمن به العبد إذا أخلص فيه الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا الله، وهذا كفيل بإسعاده وطمأنته. «والصدقة والزكاة» سببٌ لنشر المحبّة والمودّة بين أفراد المجتمع، وهذا يُطمئن الفقير ويُزيل من داخله مشاعر الحقد والحسد، ويُطمئن المتصدّق أو المزكّي بأداء حق الله وضمان الثواب العظيم عند الله. «والحجّ والعمرة» عبادتان تملآن القلب والروح بالسّكينة والفرح والطمأنينة، كيف لا وفيها ينشغل المسلمون بطاعة الله وعبادته والأنس بقربه. «وعبادة الدعاء» تبعث في النفس الراحة الكبيرة، وبمجرّد أن يدعو الإنسان خالقه ويوقن بإجابته واختيار الخير له يجعله ذلك راضياً مطمئناً، قال تعالى: «وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» (سورة البقرة).

المحافظة على ذكر الله : إنّ الإكثار من ذكر الله تعالى سببٌ للراحة والطمأنينة والسَّكينة، وصدق الله تعالى إذ يقول: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (سورة الرعد)، ثم يا لسعادة مَن لازم ذكر الله تعالى عندما يعلم أنّ الله بجلاله يذكره عنده! فهو القائل سبحانه: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»(سورة البقرة). ان ذكر الله تعالى وقراءة آياته وتدبّرها والتفكّر فيها يُضفي على النّفس شعور الطمأنينة والسّكينة، كيف لا وهو نورٌ لعتمات الصدور، وسببٌ لجلاء الأحزان والهموم، قال تعالى: «فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ» (سورة الزمر).

الرّضا والتسليم: إنّ الرّضا بقضاء الله وقدره والتيقّن بأنّ الأجل والرزق مكتوبان عند الله ممّا ينشر الراحة والاطمئنان في قلب صاحبها، فيغدو ساعياً وآخذاً بأسباب الرّزق ثمّ يتيقّن أنّ الخير في يد الله تعالى، وأنّه سبحانه لن يضيّع له سعياً وتعباً، وسيوفّقه لِما فيه الخير له ولغيره، قال تعالى: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (سورة التغابن).

القناعة وعدم النّظر إلى ما في أيدي النّاس، وإزالة مشاعر الحسد والضغينة تِجاه الغير بسبب ما يمتلكونه، فالله تعالى يُقَسِّم الهبات بين الناس بالعدل، ولحكمةٍ لا يعلمها إلا هو.

التخلّق بالأخلاق الحسنة: لا شكّ أن التعامل مع الغير بأخلاقٍ كريمة وحسنة يُضفي شعور الراحة والطمأنينة في قلب صاحبها، ويتعدّى ذلك أيضاً لِمن حوله، ويكون ذلك بالالتزام بالمبادئ والمُثل العليا في كل وقتٍ وحال، والبُعد عن الرذائل، والقيام بالأعمال المفيدة والنافعة، وبذل الجهد لتغيير الواقع السيئ، وأداء المسؤولية والواجبات بإخلاصٍ وأمانة.

عدم الالتفات إلى ما فات والحزن عليه والتعامل مع الماضي على أنّه حقلٌ تُحصَد منه الدروس، والعبر التي تُعين على بناء الحاضر والمستقبل.

التّخطيط الجيّد والناجح ومن ثمَّ مُواجهة المخاوف بكلِّ شجاعةٍ وتحدٍّ وإصرار، ومع ذلك على الإنسان أن يوازن بين الشعور بالأمل وبين الاحتياط لِما قد يحدث ممّا لا يرغبه، وأن يَعرف الطريقة المُثلى للتعامل مع ذلك، بالإضافة إلى ممارسة الهوايات المختلفة التي تُدخِل البهجة إلى نفس الإنسان، إلى جانب بناء علاقات اجتماعيّة طيبة مع الآخرين.

بثّ روح الإيجابية بالنفس وإدراك حقيقة أنّ القلق الدائم والمستمر يستنزف طاقة الإنسان، ويجعل جسده عرضةً للأمراض المختلفة، إلى جانب وجودِ احتماليّة لإصابته بالأمراض النفسيّة.

مُسامحة الآخرين وعدم الوقوف عند عثراتهم وزلّاتهم، والتّعامل معهم برحمةٍ وطيبة، فهذا أدعى لحدوث الاستقرار الداخلي، وطرد أمراض القلوب؛ كالحسد، والغيبة، والنميمة، وغيرها.

ختاماً،..

الطمأنينة نعمة كبيرة من نعم الله علينا، وعطاء رباني عظيم من يخسره عاش بالقلق والخوف والاضطراب والاكتئاب، وأجمل ما في الحياة أن تعيش راضيا مطمئنا، الى أن تلقى الله بنفس مطمئنة، فتقول الملائكة لك: «يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)» (سورة الفجر)

جعلنا الله منهم وأكرمنا بالطمأنينة في الدنيا والآخرة.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.