خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة
بقلم كلير شكر
«اساس ميديا»
إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي وناقشت عناوينه العريضة مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلّا مناورة جديدة من جانب الثنائي الولايات المتحدة – إسرائيل لكسب مزيد من الوقت، على أمل تسجيل المزيد من النقاط.
في الواقع، فإنّ التطوّر الأبرز، الذي سجّلته التسريبات من الجهة الإسرائيلية لمضمون المسوّدة، يكمن في “السماح للطرفين حقّ الدفاع عن النفس إذا لزم الأمر”، فيما كان محصوراً في المسوّدة الأولى بإسرائيل فقط، وهو ما أثار اعتراض الجانب اللبناني ورفضه. لكنّ الرئيس بري قطع الطريق على هذه التأويلات نافياً أن يكون هذا المقترح يتضمّن أيّ نوع من حرّية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان، ليركّز اعتراضه على “تأليف لجنة إشراف على تنفيذ القرار 1701 تضمّ عدداً من الدول الغربية”.
هذا ما يقود إلى طرح الكثير من علامات الاستفهام حول مصير هذا المقترح، خصوصاً أنّ رفعه إلى رئيس المجلس تزامن مع زيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني بيروت ولقائه كلّاً من الرئيسين برّي وميقاتي، مع العلم أنّه حرص على تأكيد دعم بلاده لتطبيق القرار الأممي المذكور، إذ قال بعد لقائه إنّ “إيران تدعم أيّ قرار تتّخذه الحكومة والحزب، ولا سيما القرار 1701، وتدعم انتخاب أيّ رئيس يتوافق عليه اللبنانيون”.
هكذا ستنشدّ الأنظار إلى ما سيصدر من عين التينة خلال الساعات المقبلة لانتظار خروج الدخان الأبيض أو الأسود، فيما يتردّد أنّ الرئيس بري طلب مهلة ثلاثة أيام لتسليم ردّ لبنان على المقترح الأميركي (تنتهي غداً الاثنين)، ولو أنّه سارع إلى بثّ أجواء إيجابية من خلال قوله: “الشغل ماشي والجو إيجابي والعبرة بالخواتيم”.
لا موافقة رسميّة حتّى الآن
في المقابل، تخشى أوساط دبلوماسية غربية من جولة جديدة من العنف بحجّة أنّ المسعى الأميركي لم يلقَ آذاناً صاغية، خصوصاً أنّ المواكبين يقولون إنّ لبنان لم يتبلّغ موافقة إسرائيلية رسمية عبر الوسيط الأميركي على المقترح المقدّم ولو أنّه تمّت صياغته بحبر إسرائيلي، لكنّ حكومة العدوّ تترك لنفسها هامش المناورة لإضافة المزيد من الشروط التعجيزية في حال أبدى لبنان رفضه للمقترح، وهو السيناريو المرجّح.
ترى المصادر الغربية أنّ المؤشّرات تدلّ على أنّ كلّاً من إسرائيل وإيران غير مستعجلتين على إنتاج حلّ نهائي في لبنان لرغبتهما في ربح مزيد من الوقت، لتسجيل النقاط وتحسين الشروط التفاوضية. وكلتاهما ترى أنّ المرحلة الثانية من التوغّل البرّي هي الاختبار الجديد للجولة الثانية من الحرب لتحقيق هذه المكاسب من خلال فرض تطوّر ميداني قد يخلق واقعاً جديداً.
هذا ما يجعل من المحاولة الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن معرّضة للاصطدام بالشروط والموانع التي قد تحول دون ولادة الاتّفاق في وقت قريب، بشكل يثبت مخاوف بعض الأوساط الغربية من وجود “كارت بلانش” يتيح لحكومة العدوّ أن تنهي “مهمّتها” على الجبهة اللبنانية، مقابل تفضيل إيران إعادة وصل ملفّي غزة ولبنان، حتى لو دفعت باتّجاه تطبيق القرار 1701، لكنّ مصلحتها تقتضي وفق المتابعين عدم فصل الجبهات وتركها معلّقة لحين إتمام المفاوضات.
الرّافعة الدبلوماسيّة
في هذه الأثناء، لا تزال حركة المداولات الدولية قائمة لتكون رافعة المرحلة الانتقالية بين تسليم وتسلّم الإدارة الأميركية، حيث تسعى باريس إلى لعب دور بارز في هذا السياق، وهي لم توقف حركتها ولن توقفها كما تؤكّد دبلوماسيّتها، لقدرتها على التواصل المباشر مع مختلف الجهات الإيرانية، الأميركية، الإسرائيلية واللبنانية، ولاقتناعها أنّ الجانب اللبناني ومن خلفه الإيراني يبحث عن جهة دولية يأمن لها في المرحلة المقبلة في ضوء انحياز الإدارة الأميركية الكامل لإسرائيل، وهو ما يخلق حاجة إلى شراكة فرنسا في اليوم التالي.
هذا وكانت باريس تقدّمت بدورها بمسوّدة مقترح لا تزال دبلوماسيّتها تعتقد أنّها تشكّل أرضية مقبولة للنقاش لأنّها أكثر قبولاً من الجانب اللبناني، إذ ترفض باريس فيها منح إسرائيل حقّ التدخّل حين تشاء تحت عنوان الدفاع عن نفسها، وتجنّب المسوّدة العودة إلى مجلس الأمن في حيثيّات تفاصيلها التنفيذية، لا سيما لجهة تأليف لجنة المراقبة، إذ ينصّ الاقتراح على إيكال هذه المهمة إلى اللجنة القائمة والمعروفة باسم لجنة الناقورة والمؤلّفة من ضابط لبناني وضابط إسرائيلي وتشارك فيها الأمم المتحدة، ويمكن للّجنة أن تطلب مشاركة ضابط أميركي وضابط فرنسي، وفق هو ما متداول.
يقوم المقترح الفرنسي على الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار على أن يكون مؤقّتاً بين 30 و60 يوماً يصار خلالها إلى مناقشة التفاصيل التنفيذية، فيما المقترح الأميركي ينصّ على وقف دائم لإطلاق النار يبدأ بعده تطبيق القرار الدولي.
بالنتيجة، يتأرجح المشهد اللبناني بين مساريْن: الأوّل دبلوماسي يبحث في العمق عن ضمانات دولية من شأنها أن تسهّل الصياغات الإجرائية التي ستحكم المرحلة المقبلة، والثاني ميداني تظهره استعدادات العدوّ للاستمرار في تصعيده العسكري.