آثار الحرب اقتصاديًا على لبنان
المحامي أسامة العرب
يعاني لبنان من تداعيات خطيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة، والتي لم تقتصر آثارها على البنية التحتية فحسب، بل امتدت إلى مختلف جوانب الحياة، فوفقًا لتقرير البنك الدَّوْليّ الأخير، فقد بلغت تكلفة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية الإجمالية حوالي 8.5 مليارات دولار أميركي، مما يعكس حجم التحديات التي تواجه هذا البلد الذي يعاني أصلاً من أزمة مالية حادة.
الانعكاسات على الناتج المحلي والنمو الاقتصادي
يشير تقرير البنك الدَّوْليّ إلى أن الحرب أدت إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6% في عام 2024، وهذا التراجع يأتي في سياق انكماش اقتصادي مستمر منذ خمس سنوات، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأكثر من 34%، مما يعكس هذا الانهيار المستمر تدهور النشاط الاقتصادي في القطاعات الحيوية، ويعمّق حالة الركود ويضعف قدرة الاقتصاد على التعافي.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه النسبة ليست سوى البداية، فمع استمرار الحرب وتأثيراتها على القطاعات المنتجة، قد يكون الانكماش الاقتصادي أشد وأطول أمدًا؛ لاسيما أن هذه التراجعات تلقي بظلالها على حياة المواطنين، وتحدّ من قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية أو تحفيز النمو في المدى القريب.
الأضرار الاجتماعية والإنسانية
تسببت الحرب في نزوح مليون ونصف شخص داخليًا، مما خلق أزمة إنسانية ضخمة، حيث شملت الفئات الأكثر تأثرًا: النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى اللاجئين الذين يواجهون أوضاعًا قاسية، خصوصاً أن هؤلاء يعانون من نقص الخدمات الأساسية، مثل المأوى والغذاء والرعاية الصحية.
من ناحية أخرى، لقد فَقَد نحو 500 ألف شخص وظائفهم، مما تسبب في خسائر مباشرة في المداخيل تقدر بحوالي 200 مليون دولار أميركي، وهذا الفقدان بالعمل في بلد يعاني من نسب بطالة مرتفعة أصلاً يزيد من مستويات الفقر ويضعف القدرة الشرائية للأسر، مما يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي.
القطاعات الأكثر تضررًا
تشير البيانات إلى أن الحرب خلفت أضرارًا كبيرة في عدة قطاعات رئيسة، أبرزها:
- قطاع الإسكان:
تعرض هذا القطاع لأكبر نسبة من الأضرار، حيث تضررت 500 ألف وحدة سكنية جزئيًا أو كليًا. كما بلغت تكلفة الأضرار والخسائر في قطاع الإسكان حوالي 4 مليارات دولار، مما يجعل إعادة الإعمار تحديًا كبيرًا في ظل غياب الموارد الكافية.
- قطاع التجارة:
خسر الاقتصاد اللبناني نحو 2 مليار دولار في هذا القطاع، نتيجة نزوح العمال وأصحاب الأعمال وتوقف العمليات التجارية في العديد من المناطق المتضررة.
- قطاع الزراعة:
شهد القطاع الزراعي خسائر تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار بسبب تدمير المحاصيل والماشية، وتشريد المزارعين، مما أدى إلى تراجع الأمن الغذائي.
- قطاع السياحة والضيافة:
هذا القطاع، الذي كان يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني، يعاني من شلل شبه تام نتيجة الأحداث الأمنية وانعدام الاستقرار، مما يؤدي إلى تراجع التدفقات السياحية.
أزمة الاحتياطي النقدي
كان للحرب تأثير كبير على الاحتياطي النقدي لمصرف لبنان، فوفقًا لتقريره، انخفضت الاحتياطيات الأجنبية بأكثر من 500 مليون دولار خلال شهر تشرين الأول 2024، لتصل إلى حوالي 10.3 مليارات دولار. وهذا الانخفاض يعكس الضغوط المتزايدة على البنك المركزي، الذي يجد نفسه مضطرًا لدعم الليرة اللبنانية وتسديد دفعات مالية بموجب التعميمين 158 و166. ومع استمرار الحرب، يزداد القلق بشأن قدرة مصرف لبنان على الحفاظ على سياسة دعم سعر الصرف أو تلبية احتياجات المودعين، في ظل شح التدفقات المالية الخارجية وانخفاض الواردات. وهذا ما يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة مع تزايد الاستنزاف في الاحتياطي النقدي وغياب التدفقات النقدية الجديدة.
تكاليف إعادة الإعمار
تُقدَّر تكلفة إعادة إعمار المناطق المتضررة، مثل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، بحوالي 4 مليارات دولار حتى الآن على الأقل. وهذه التكلفة تفوق قدرة الاقتصاد اللبناني الحالي على التحمل، خاصة مع تراجع الإيرادات الحكومية وانكماش الموازنة العامة التي انخفضت من 17 مليار دولار إلى 3.2 مليارات دولار في عام 2024. إن إعادة الإعمار تتطلب تمويلًا خارجيًا ضخمًا، والذي يبدو بعيد المنال في ظل عزوف المستثمرين الدوليين وشح الدعم الخارجي. وإذا لم يتمكن لبنان من تأمين التمويل اللازم، فإن المناطق المتضررة ستظل في حالة خراب، مما يزيد من معاناة السكان ويعطل الانتعاش الاقتصادي.
الخطوات المستقبلية
لمواجهة هذه التحديات، يعمل البنك الدَّوْليّ على إعداد تقييم شامل للأضرار والاحتياجات (RDNA)، بهدف تحديد الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تقدير الاحتياجات التمويلية للتعافي وإعادة الإعمار. كما يشمل هذا التقييم القطاعات الأكثر تضررًا، وسيكون بمثابة خارطة طريق لتوجيه جهود إعادة الإعمار.
إضافة إلى ذلك، بدأ البنك الدَّوْليّ في تفعيل خطط الاستجابة الطارئة لتحويل الموارد المتاحة لدعم الاحتياجات الملحة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على استقرار الوضع الأمني واستعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني.
ختاماً، تُظهر الحرب الحالية في لبنان مدى هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، حيث تواجه البلاد أزمات متعددة الأوجه تشمل الانهيار الاقتصادي، والتداعيات الإنسانية الكارثية، والاستنزاف النقدي. وبدون تدخل دَوْليّ ودعم مالي كبير، فإن التعافي سيظل بعيد المنال، مما يهدد استقرار البلاد على المدى الطويل. لذا، فإن هذه المرحلة الحاسمة تتطلب قيادة قوية وخططًا استراتيجية لتخفيف الأضرار ووضع أسس للتعافي المستدام، أبرزها انتخاب رئيس جمهورية جديد وتطبيق قرارات الشرعية الدّولية كافة.
المحامي أسامة العرب