انتهاء الحروب في عهد ترامب: بين الشعارات الانتخابية والتحديات الواقعية

3

بقلم د. ابراهيم العرب

مع إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أكد دونالد ترامب أنه سيعمل على إنهاء الحروب الخارجية وإعادة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم. وكانت هذه الوعود جزءًا من شعارات حملته الانتخابية التي استهدفت كسب تأييد الشعب الأمريكي المرهق من الحروب الطويلة والتدخلات العسكرية المكلفة. لذا سنتناول في هذا المقال مدى إمكانية ترامب إنهاء حروب العالم والحرص على التعايش السلمي بين الشعوب المختلفة:

– الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان

أثناء فترة حكمه، واجه ترامب عدة نزاعات في الشرق الأوسط، كان أبرزها الحرب الإسرائيلية على غزة والتوترات المستمرة مع لبنان. أعلن ترامب دعمه القوي لإسرائيل، مما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة. ولكنه اليوم أقرب لإجراء تسوية سلمية بين إسرائيل وحماس وحزب الله توقف الحروب، وهو لطالما أبدى رغبته بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان فوراً.

– الحرب الروسية-الأوكرانية

 فيما يخص الصراع الروسي-الأوكراني، فقد شهدت فترة حكم ترامب السابقة تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا؛ فعلى الرغم من وعوده بتحسين العلاقات مع روسيا، إلا أن الإدارة الأمريكية استمرت في دعم أوكرانيا ضد التدخل الروسي. وقد تم فرض عقوبات جديدة على روسيا وتقديم دعم عسكري واقتصادي لأوكرانيا، مما أدى إلى استمرار النزاع دون الوصول إلى حل حاسم، ولكن ترامب واثق اليوم أنه أكثر قدرة على حسم النزاع وإنهاء الحرب الدموية الدائرة هناك، خصوصاً في ظل تمكن أوكرانيا من الصمود واحتلال أجزاء من روسيا الاتحادية.

– النزاع الاقتصادي مع الصين

 فيما يتعلق بالنزاع الاقتصادي مع الصين، فقد شهدت فترة ترامب سابقاً تصعيدًا كبيرًا في التوترات التجارية بين البلدين. وذلك حينما فرض ترامب تعريفات جمركية عالية على المنتجات الصينية، ما أدى إلى حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد سعى ترامب من خلال هذه الإجراءات إلى تقليص العجز التجاري مع الصين وحماية الصناعات الأمريكية، لكنه في المقابل أثار قلق الأسواق العالمية مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في كلا البلدين؛ ولكنه يبدو اليوم غير متحمسٍ لفتح خلاف ضريبي بين البلدين، خشية ازدياد عجز ميزانية دولته التي تبلغ ٢.٢ ترليون دولار أمريكي.

– الخلاف حول استقلال تايوان

 جزء من النزاع المتصاعد مع الصين كان حول قضية استقلال تايوان، فقد دعم ترامب بشكل غير مباشر استقلال تايوان من خلال تعزيز العلاقات معها وتقديم الدعم العسكري لها، مما أثار غضب الصين التي تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها. كما أن هذا الخلاف أدى إلى تصعيد التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وزاد من تعقيد العلاقات الأمريكية-الصينية، ولكنه اليوم يسعى للتهدئة في ظل مناشدة الصين له بضرورة تعايشهما السلمي والحضاري.

– تأييد ترامب لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية

 على الرغم من دعمه الواضح لإسرائيل، يعرب ترامب دوماً عن حبه للعرب واللبنانيين، وعن تأييده لحل الدولتين كحل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولو كانت بعض خطواته على الأرض أتت لصالح إسرائيل، إلا أنه سيسعى لاتخاذ خطوات جدية نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مما ينهي حالات الجمود والتوتر.

– نشر السلام في الشرق الأوسط

 يعتبر ترامب أن أحد أهم إنجازاته في الشرق الأوسط كان توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، التي شهدت تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ولو لم تؤدِّ

 لحلٍّ نهائي للقضية الفلسطينية وإلى سلام شامل في المنطقة، ولكنّ الرئيس الأميركي الجديد يأمل أن يحقق مزيداً من التقدم والنجاح في تطبيع العلاقات بين الفلسطينيين والعرب وبين إسرائيل، من خلال تبنّيه لحلِّ الدولتين ومبدأ الأرض مقابل السلام وضغطه على إسرائيل قدر الإمكان لتغيير سياساتها اليمينية المتطرفة.

– العودة للاتفاق النووي السلمي مع إيران

 انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، ما أدّى إلى تصاعد التوترات بين البلدين وزيادة الضغوط الاقتصادية على إيران من خلال فرض عقوبات جديدة. وأدّت هذه الخطوات إلى زيادة التوتر في منطقة الخليج وتفاقم العلاقات الأمريكية-الإيرانية. ومع ذلك، كانت هناك دعوات للعودة إلى مفاوضات جديدة بهدف التوصل إلى اتفاق نووي سلمي، لكن لم يتم تحقيق تقدم ملموس في هذا الاتجاه خلال فترة حكم ترامب، إلا أن الحديث جارٍ اليوم مع الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد د. مسعود بزشكيان للعودة للاتفاق النووي السلمي، والإدارة الأميركية الديمقراطية السابقة وحتى الإدارة الجمهورية الحالية، قد لا تمانع في حال أقدمت إيران على خطوات تعزّز السلام في الشرق الأوسط.

– المخاوف والانتقادات

 تواجه سياسات ترامب انتقادات واسعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الرغم من شعاراته بإنهاء الحروب، إلا أن التوترات في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا لا يقوى عليها رئيس بمفرده دون دعم مطلق من دولته العميقة. كما أن علاقته الوثيقة مع رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو تخيف البعض في غزة ولبنان، تماماً كبعض الصينيين الذين يخشون حقيقةً من تصعيد النزاع التجاري مع الصين وزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي.

– النتائج المستقبلية

رغم وعود ترامب بإنهاء الحروب، إلا أن النتائج ليست فورية، خصوصاً في ظلّ التغييرات الأخيرة التي قام بها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، والتي حوّلت الحكومة كلياً نحو اليمين المتطرّف. لذا، فإن تحقق النجاحات في خفض عدد القوات الأمريكية في مناطق النزاع، ووقف إطلاق النار في غزة قد يطول، ما لم يقترح ترامب حلول جديدة تؤدّي إلى استقرار مستدام، من خلال وقف النزاعات وإجراء تسويات إقليمية تنهي التوتر وعدم الاستقرار.

– التوجهات الداخلية وتأثيرها

 يعكس تركيز ترامب على شعار: أميركا أولاً، تأثيره على السياسة الداخلية والخارجية، فقد شدّد على إغلاق الحدود ووقف الهجرة غير الشرعية، مما أكسبه دعمًا من قاعدته الشعبية المحافظة والعرقية؛ ولكن هذا التوجه ينحصر بالهجرة غير الشرعية ولا يطال سوى من يخالف القوانين الأميركية، في ظل التوترات المتزايدة بين المجتمعات المختلفة هناك.

– الآثار الدولية والتحديات المستقبلية

قد تتسبب سياسات ترامب في توتر العلاقات مع بعض الحلفاء التقليديين، خاصة في أوروبا، نظراً لإصراره على تقليص الدعم لأوكرانيا والضغط على الدول الأوروبية لتحمل نصيبٍ أكبر من تكاليف الدفاع، الأمر الذي يثير استياء العديد من القادة الأوروبيين. كما أن توتر العلاقات مع الصين وتنامي الصراع الاقتصادي والسياسي بين البلدين قد يؤدّي إلى تحدّيات اقتصادية مستقبلية كبيرة.

ختاماً، إن انتهاء الحروب في عهد ترامب هو شعارٌ واقعٌ فعلاً، رغم بعض الخطوات الصعبة لإنهاء التدخلات العسكرية، وكذلك النتائج التي قد تكون معقّدة ومتناقضة في بعض الأحيان؛ فقد أدّت سياساته السابقة إلى إعادة تقييم دور الولايات المتحدة على الساحة الدولية وفتح باب التساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية في عصر تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والسياسية، أما اليوم فإن أداءه سيكون أفضل بكثير بعد الخبرة التي اكتسبها في حكم الإمبراطورية الأميركية لأربع سنوات سابقة، ولذلك فإننا نؤمن بأنه سينجح في تحقيق أهدافه المعلنة هذه المرّة.

د. ابراهيم العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.