الأردن: بين “الوطن البديل”.. والحصار الإيرانيّ (2)
بقلم أمين قمورية
«أساشس ميديا»
- شرعية نظام الحكم المرتكز على عقد التأسيس بين الملك المؤسّس عبد الله الأوّل بن الحسين مع الشعب الأردني، والقائم على حماية الأردن من الخطر الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه.
- الشرعية الفلسطينية التي تأسّست بتعاقد واضح بين الأردنيين والفلسطينيين على العيش بكامل الحقوق مقابل الشراكة في بناء الوطن الأردني والتمسّك في المقابل بحقّ العودة إلى فلسطين والنضال من أجله.
نظرت إسرائيل على الدوام إلى الأردن كنوع من الفرصة والخطر في الوقت ذاته. فهي:
- من جهة “دولة عازلة” والسلام معها يخرجها من دائرة الصراع، ولا سيما أنّها صاحبة أكبر حدود مع الأرض المحتلّة وتعتبر خاصرتها الرخوة أمنيّاً للتداخل الكبير بين جانبَي الحدود. ومن شأن السلام أيضاً أن يحول دون انتشار قوات عربية على أراضيها في مواجهة مسلّحة مع إسرائيل.
- ومن جهة أخرى يثير المستوى العالي من العداء الشعبي للاحتلال فيها قلق تل أبيب، الأمر الذي جعل الهواجس المضطربة تشغل بال صنّاع السياسة الإسرائيلية. لذا حاولت إسرائيل منذ “معاهدة وادي عربة” تعزيز تموضعها الاقتصادي والسياسي والأمنيّ والإعلامي في الأردن، أو ما يسمّى بسياسة “الاختراق الناعمة” على حدّ تعبير رئيس اتّحاد الكتّاب الأردنيين الدكتور موفق محادين. وعندما لا يؤدّي هذا الاختراق غرضه كانت ترفع عصا التهديد بأشكال مختلفة عبر التلويح بالفزّاعات لإخافة الأردن، ومنها التهديد بتحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، والتلويح بقدرتها على كسر مثلّث التوازن بين أضلاع العلاقة بين القصر والشعب الأردني والعلاقة الأردنية الفلسطينية، والاستعداد لدخول معركة تفكيك الأردن.
شدّ وإرخاء… بين تل أبيب وعمّان
في مناسبات مختلفة هدّدت إسرائيل تارة بإهداء الأردن وطناً للفلسطينيين، وتارة أخرى بأن الملك عبد الله الثاني سيكون آخر الملوك الهاشميين، أو بتحويل البلد إلى نظام ملكي دستوري، وتحديد الأغلبية والأقلّية في هذه البنية في مسعى ليكون ذلك مدخلاً لحلّ القضية الفلسطينية أرضاً وشعباً على حساب الأردن. وبين الحين والآخر تذكّر إسرائيل بالنغمة القديمة التي تصف الأردنيين بأنّهم “ليسوا شعباً بقدر ما هم مجموعة من البدو”، وأنّهم “يسعون لذبح الشعب الفلسطيني، أو القيام بتطهير عرقي للفلسطينيين”.
تصطلح الأمور بين عمّان وتل أبيب ولا تلبث أن تتضعضع. صعود وهبوط متواصلان في العلاقة المتوتّرة بلغا ذروتهما في العدوان الإسرائيلي على غزة. أوصلت حكومة اليمين المتطرّف برئاسة بنيامين نتنياهو الأمور إلى مستوى جديد. وتحت غطاء حملتها العسكرية المدمّرة في قطاع غزّة، اتّخذت الحكومة خطوات غير مسبوقة لتعزيز قبضتها على الضفّة الغربية من خلال سياسات الضمّ والاستيطان والتهويد. وتسبّبت بأكثر عامين دمويّةً بالنسبة إلى الفلسطينيين منذ عقود، ودفعت السلطة الفلسطينية إلى حافة الانهيار. وألقى المستوطنون الصهاينة منشورات في قرى الضفة الغربية تحذّر السكّان وتدعوهم إلى الهرب نحو الأردن أو مواجهة الطرد الجماعي أو الموت.
خلقت هذه الأحداث مخاوف من إحياء خيار “الأردن هو فلسطين”. أمّا العناصر المتطرّفة، التي تدعو إلى تدمير الحرم الشريف في القدس وبناء “الهيكل الثالث” في مكانه، فقد انتقلت من هامش السياسة الإسرائيلية الى قلب السلطة وصارت الصوت الأعلى في الحكومة الحالية. وبما أنّ الملك عبد الله الثاني هو الوصيّ على الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية في القدس، تشكّل هذه المخطّطات استفزازات للأردن والعرب والمسلمين. كما أنّها تضع عمّان في موقف متوتّر وصعب.
إيران تحاصر الأردن أيضاً
في الوقت نفسه، يجد الأردن نفسه بين “فكّي كمّاشة” إقليمياً، بين الجنون اليميني الإسرائيلي والحشد العسكري النسبي لـ”محور المقاومة” بقيادة إيران على الحدود العراقية والسورية من أجل مواجهة إسرائيل. وباعتباره حليفاً وثيقاً للولايات المتّحدة ولديه علاقات قديمة مع إسرائيل، يخاطر الأردن بالوقوع في مرمى النيران المُتبادلة بين الجهتين.
بالفعل بلغ الإحراج مستواه الأعلى عندما استخدمت القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية قواعدها العسكرية المنتشرة في المثلّث الحدودي الأردني العراقي السعودي لإحباط الهجمات على إسرائيل التي شنّتها إيران ردّاً على هجوم إسرائيل على السفارة الإيرانية في دمشق، في حين امتنعت هذه القواعد عن اعتراض الصواريخ والطائرات الإسرائيلية عندما عبرت الأجواء الأردنية لضرب مواقع إيرانية.
هذا ما جعل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يتوجّه إلى طهران للحدّ من التوتّرات ومحاولة النأي بالأردن عن الصراع الدائر، لا سيما بعدما أعلنت فصائل الحشد الشعبي العراقية خططاً لتجنيد 12 ألف مقاتل داخل الأردن وتسليحهم استعداداً لمواجهة أوسع مع إسرائيل. كما استخدمت الأراضي السورية لتهريب الأسلحة والمخدّرات غير المشروعة. لكنّ المحادثات مع طهران لم تثمر كثيراً، ذلك أنّ الوعود شيء والعمل على الأرض شيء آخر، على ما يقول عضو مجلس الأعيان جميل نمري.
فكيف تتعامل عمّان مع هذه الأحجية السياسية المعقّدة؟ وما الذي تفعله للخروج من هذه المتاهة الملتهبة؟ وهل في إمكانها تجنّب التداعيات الصعبة لذلك؟
أمين قمورية