لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

44

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

لطالما كان وجود الأميركيين العميق في لبنان، حيث تأسّس الحزب، عنواناً جذّاباً للبحث والنقاش، لا سيما أنّ العلاقة بينهما وبين كلّ منهما بالمكوّنات الأخرى، تغيّرت بحسب عنوان المرحلة، أكان ذلك محلّياً أو إقليمياً. فكان وجودهما معاً يُحدث أمراً من اثنين: صداماً عنيفاً طويل الأمد أو تسوية، وهو ما جعل منهما شريكين كلّ من جهةٍ في العهود التي شهدت تقاطعات بين مصالحهما. الأميركيون مرنون في هذا الصدد. إن أرادوا الصدام فوفقاً لشروطهم، وإن أرادوا التسوية فعادة ما تكون بعد ضجيج سياسي أو أمنيّ، أو حرب كالتي نشهدها اليوم.

ضغط أميركيّ لإعلان الاتّفاق

في تل أبيب ضغط أميركي كبير تمثّل في زيارة الموفدين الرئاسيَّين للرئيس الأميركي جو بايدن، آموس هوكستين وبريت ماكغورك في مسعى لإبرامِ اتفاقٍ لإنهاء الحربِ في لبنان. وتبدو المصادرُ الدبلوماسية الأميركية متفائلةً بحصول الاتفاق، وهي تبذل كلَّ جهودِها لإبرامه، ولا سيما أنّ زيارة الموفدَين تأتي قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بأيام معدودة.

انطلاقاً من هذا المعطى بدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي متفائلاً في حديثه التلفزيوني مساء الأربعاء حول إمكانية الوصول إلى اتّفاق.

لكن في تفاصيل الاتفاق الذي حضَّرت له الإدارةُ الأميركية، تحدّثت معلومات “أساس” عن أنّه سيكون إعلان فترةٍ انتقالية ووقف إطلاق نارٍ لمدّة ستّين يوماً وتطبيقُ الـ1701 لجهة انسحاب الحزب ونقلِ أسلحته إلى شمال الليطاني أو تسليمِها للجيش اللبناني الذي سينتشرُ جنوباً بثمانيةِ آلاف جنديّ. وفي المرحلة الثانية يتمُّ البحثُ بنزع سلاحِ الحزب بالكامل عملاً بالقرار 1559.

لاقى هذا المعطى الأميركي القناة 12 الإسرائيلية التي تحدّثت عن إجماع خلال مشاورات أجراها نتنياهو مع مسؤولين على أنّ العملية البرّية بلبنان حقّقت أهدافها.

إلّا أنّ مصادر دبلوماسية غربية أخرى تحدّثت لـ”أساس” عن أنّ هذه الجولة من المفاوضات لا تختلف عن سابقاتها بناء على اعتبارين:

1- إنّ كلّاً من نتنياهو وإيران يَنتظرُ الرئيسَ الأميركي المقبل.

2- إنّ هدفَ نتنياهو لم يتحقّق بعدُ في هذه الحرب.

تضيف أنّ إسرائيل لن تعودَ إلى ما قبل السابع من أكتوبر، ولن يتوقّفَ نتنياهو قبل نزع سلاح الحزب بالكامل. إذ إنّ هدفه ضمان أمن حدودِه لعَقد مقبل أو أكثر. وهو مخوّل من الدولة العميقة في إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في العالم تحقيق ما يعتبره الاستقلالَ الثاني وتثبيت وجود دولة إسرائيل من دون أيِّ خَطَرٍ على حدودها.

لذلك نتنياهو يريد ضمان نزعِ سلاحِ الحزب بالقوّة تحت النار كما يفعل اليوم، أو استسلامه وقبوله بتسوية لتسليم سلاحِه.

أهمّ نقاط مسوّدة الاتّفاق

تمّ تسريب عدد من الأوراق التي اعتُبرت مسوّدة الاتفاق. إلا أنّ معلومات “أساس” أكّدت أنّ المسوّدة فعليّاً تتمحور حول عدد من النقاط المهمّة، أبرزها:

– الجيش اللبناني القوّة الشرعية الوحيدة في جنوب لبنان إلى جانب اليونيفيل.

– كلّ اتّفاق لبيع أسلحة إلى لبنان أو صناعة أسلحة فيه سيكون بموافقة الحكومة اللبنانية.

– الحكومة اللبنانية ستمنح القوى الأمنيّة الصلاحيّات اللازمة لتطبيق قرار منع تسلّح الحزب.

– مراقبة  فعّالة لنقل الأسلحة عبر الحدود.

– مراقبة وتفكيك منشآت غير معترف بها من قبل الحكومة لإنتاج الأسلحة.

– تفكيك كلّ بنية تحتية مسلّحة لا تتناسب مع القرار 1701.

– تسحب إسرائيل قوّاتها من الجنوب اللبناني خلال 7 أيام، وتُستبدل بقوات من الجيش اللبناني، بمراقبة الولايات المتحدة ودول أخرى.

– نزع لبنان خلال ستّين يوماً سلاح كلّ مجموعة عسكرية غير رسمية في الجنوب.

اتّفاق ثنائيّ أميركيّ – إسرائيليّ

في المقابل، بدا لافتاً النص المقترح لوقف النار في لبنان الذي نشرته “هيئة البثّ الإسرائيلية”، والذي يتضمّن وقفاً كاملاً للأعمال الحربية من لبنان وإسرائيل، وأن يكون الجيش اللبناني مسؤولاً عن تطبيق الاتفاق في الجنوب.

يلفت المقترح إلى أنّ واشنطن وقوى دولية ستدعم تعزيز الجيش اللبناني كمّاً ونوعاً. ويشير إلى أنّ إسرائيل تحتفظ بحقّ التحرّك عسكرياً ضدّ التهديدات بالتنسيق مع الولايات المتحدة، على أن تتبادل إسرائيل والولايات المتحدة المعلومات الاستخبارية حول الانتهاكات، بما في ذلك أيّ تهديدات من الحزب.

تؤكّد الولايات المتحدة التزامها مواجهة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في لبنان، مع الإشارة إلى حقّ إسرائيل في التحرّك ضدّ الانتهاكات إذا فشلت جهود المعالجة.

الأهمّ من ذلك أنّ واشنطن تعهّدت لإسرائيل أن ترأس لجنة مراقبة آليّة تنفيذ الاتفاق IMEM، وأن يكون المسؤول عن هذا الدور ضابطاً أميركياً من قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي. وهذا ما يعتبر وجوداً أميركياً عسكرياً وأمنيّاً واستخبارياً في لبنان بشكل رسمي.

بناء على هذا المعطى، ترجّح المصادر الدبلوماسية أن يكون لبنان مقبلاً على أيامٍ عصيبة سيكثّفُ فيها نتنياهو غاراتِه التي بدأت تطالُ مناطقَ بكاملها، ولن يتوقّفَ حتى لو اضطُرَّ إلى قطع أوصالِ البلد وضربِ بُناه التحتية. كما تقول إنّ أمام لبنان خيارين أحلاهما مرّ: إمّا القبول بسحب السلاح والذهاب طوعاً في مسار الاتفاق، أو الذهاب بالقوّة وهو ما لا يزال حاصلاً اليوم.

الخلاصة، كيف سيواجه رئيس مجلس النواب نبيه بري دخول لبنان العصر الأميركي؟ وكيف سيتعامل مع الاتّفاق الذي قد يعتبره الحزب صكّ استسلام. لا سيما مع كل التسريبات عن فشل المفاوضات في تل أبيب ومواقف نتنياهو التي عبّرت عن رغبته  باستمرار الحرب؟

جوزفين ديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.