تقدّم الخيارات العسكرية على السياسية كيف يواجه حزب الله؟

26

طوني جبران

الشرق – توحي التطورات العسكرية الاخيرة ان السباق القائم بين الخيارات العسكرية والديبلوماسية قد حسم لصالح الاولى وأن الأمور تتجه الى ما لا يمكن احتسابه من عمليات قد تخرج عما يسمى بـ «قواعد الاشتباك» التي تحكمت بالوضع في الاشهر القليلة الماضية وأن «الخروقات الاستثنائية» تحولت ممارسات يومية وأزيلت الخطوط الحمر بكامل سقوفها. انطلاقا من هذه المعادلة كشفت مراجع ديبلوماسية غربية في بيروت لـ «المركزية» انها تبادلت في الساعات الاخيرة الماضية معلومات دقيقة تتحدث عن احتمال ان تتوسع الحرب في الايام المقبلة، بعدما تبلغ الجميع برفع طرفي النزاع من نسبة الجهوزية والاستنفار ما يؤدي الى ارتفاع حدة العمليات العسكرية بطريقة لن يكون من السهل لجمها. لذلك، اعتبرت هذه المراجع ان ما هو مرتقب يعد تطورا طبيعيا لما شهدته الفترة الاخيرة من تصريحات عالية النبرة سبقت ورافقت وتلت العدوان الاسرائيلي غير المسبوق والذي لم يكن متوقعا، متجليا بعمليتين نوعيتين عكستهما عمليتي تفجير شبكتي «البايجر» و»التوكي ووكي» قبل ان ترتفع حدتها الى الذروة بالغارة التي استهدفت اجتماعا للقادة العسكريين من «قوة الرضوان» في قلب احد اكبر المربعات الامنية في الضاحية الجنوبية من بيروت وما انتهت إليه من ضحايا لم تقتصر على العسكريين، الذين تقاسموا تقريبا عدد الشهداء مع المدنيين ليس لسبب سوى ان منازلهم تقع في قلب هذه المربعات تعلو المراكز المخصصة للاجتماعات السرية تحت الأرض.

على هذه الخلفيات، بررت المراجع الديبلوماسية مخاوفها مما يمكن ان تقود اليه المواجهة بمجموعة من المؤشرات في الداخل الاسرائيلي كما في لبنان، فلا تقف الامور عندها على تبادل الاتهامات الى الدرجة التي تنذر بشر مستطير. وهذه عينة منها:

-لم يسبق للجانب الاسرائيلي ان لجأ الى قرار إقفال المدارس في المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية في عمق يصل الى عشرين كيلومترا ولا سيما في المدن الكبرى كحيفا وعكا وصفد التي قد تتعرض لقصف مركز ان خرج «حزب الله» عن منطق استهداف القواعد والمراكز العسكرية متجنبا المدنيين حتى اليوم، هذا عدا عن ترحيل مجموعات من الاهالي كانت ما تزال تتحصن في ملاجئ بعض المستوطنات التي لم يتم اخلاؤها بعد ونقلوا الى غلاف غزة في وسط البلاد بعدما تراجعت حدة القصف في المنطقة.

هذا على الجانب الاسرائيلي، اما على الجانب اللبناني فقد تناولت المعلومات التي يجري التداول بها على المستوى الديبلوماسي ان امام قيادة «حزب الله» مرحلة قصيرة للانتهاء من تقييم الوضع المستجد قبل الرد على مسلسل العمليات التي استهدفت قيادييها من الصفين الثاني والثالث في غارة حي الجاموس بعد ان طالت بعضا منهم، والآلاف من مقاتليه في عمليتي تفجير شبكتي النداء والتواصل وهي مرحلة محدودة تنتهي بمجرد الانتهاء من مراسم وداع القائد العسكري ابراهيم عقيل ومجموعة من رفاقه. وفي المعلومات ان الحزب يحتاج الى القيام بعملية عسكرية، لا بد منها في أسرع وقت ممكن لأهداف مختلفة ومعظمها جوهري. وان كان ابرزها التأكيد انه استوعب ما جرى مهما كانت الضربة قاسية وموجعة، وان من اغتيلوا لم ولن يؤثروا على قوته العملانية وقدرته على التحرك. ذلك انه ليس هناك من قيادي مهما علا شأنه بدون بديل يمكنه ان يقوم بالمهام عينها في خلال ساعات قليلة، والا فان ما اصاب معنويات رجاله قد يتعاظم في اتجاه سلبي للغاية في الفترة المقبلة وان بيئته تحتاج إلى اي خطوة تسجل على لائحة الإنتقامات. وما بين القراءة الديبلوماسية للساحتين الإسرائيلية والحزب اللاوية الداخلية، تبقى الاشارة مهمة الى اعتزال الادارة الاميركية التقدم بأي طرح جديد للخروج من المآزق التي تعاظمت الى حدود الانفجار الكبير. وهي لم ولن تدين الضربات الاسرائيلية في لبنان على الرغم من خرقها لكل المبادىء الانسانية وقد حالت بعثتها في مجلس الامن الدولي دون صدور اي قرار يدين الأعمال الارهابية في لبنان. ولم تبادر اي قوى أخرى لفرض خطوة تدين اسرائيل او تحرجها على الرغم من النتائج الكارثية التي انعكست على المدنيين بعد قطاع غزة والضفة الغربية. على هذه الخلفيات، لا تتجاهل المراجع العسكرية في قراءتها للتطورات ان اسرائيل قلبت خططها العسكرية في تعاطيها مع «حزب الله» في الفترة الاخيرة فاستهدفت القيادات الحزبية والكوادر العليا في الحزب من ضمن «العمليات الامنية» التي لا تصيب قواعد الإشتباك بأي خرق بعد تجربتي اغتيال صالح العاروري وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية واعتراف الحزب بهذه المعايير طالما ان الهدف منهما اغتيال شخصيات عسكرية. ولذلك فان سقوط الضحايا من المدنيين «مسألة فيها نظر» ولا تقاس بحجم الهدف ان نجحت العملية. ولما رد الحزب على اغتيال شكر في 25 آب الماضي متجنبا المدنيين اعترف من حيث يدري او لا يدري بأن ما جرى في الضاحية لم يكن عدوانا على المدنيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.