بزشكيان ابن مهاباد يفعّل كرديّته في العراق !

30

بقلم د.سمير صالحة

«اساس ميديا»

لا تطلب إيران المساعدة من أحد لمعالجة مشاكلها الداخلية والخارجية، لكنّها لا تتردّد في فرض خدماتها على الآخرين في الإقليم.

 قرار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن تكون بغداد وإربيل والسليمانية أولى المدن التي يزورها بعد تولّيه مهامّ الرئاسة، سببه القلق المتزايد في طهران نتيجة التحوّل الأخير في سياسات بغداد الإقليمية، والانفتاح العراقي الواسع على أنقرة والعالم العربي.

اختيار بزشكيان للعراق رسالة لها مدلولاتها السياسية والأمنيّة والإقليمية حتماً. هناك انزعاج إيراني واضح من التحوّلات الأخيرة في سياسة العراق الإقليمية التي يقودها محمد شياع السوداني.. لكنّ الرئيس الإيراني يحتاج إلى أكثر من مناورة كرديّة لمساعدة إربيل على نسيان القصف الإيراني لشمال العراق في مطلع العام بالمسيّرات والصواريخ تحت ذريعة خدمة إسرائيل ومشاريعها في المنطقة. فما هي المفاجآت التي يخبّئها بزشكيان للداخل العراقي ولحلفاء بغداد الجدد في الإقليم؟

إيران تساوم

لا يمكن تجاهل حقيقة أنّ زيارة بزشكيان للعراق قبل أيام مرتبطة بتأخير طهران لردّها على تل أبيب، ومحاولة المساومة سياسياً وأمنيّاً واقتصادياً على ذلك، إلى جانب مسألة التعرّف إلى نوايا أميركا الحقيقية في موضوع سحب قوّاتها من العراق ولمصلحة مَن سيكون ذلك، وأنّ هذه المناورات كلّها هي من بين معالم الحرب النفسية التي تقودها طهران في الإقليم تحت غطاء الدفاع عن أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

جملة من الحقائق ترافق زيارة بزشكيان للعراق:

– الحقيقة الأولى: هي أنّها تأتي وسط أجواء إقليمية صعبة على إيران بسبب المتغيّرات والتحوّلات المتلاحقة في المنطقة التي تتعارض مع حسابات طهران ومصالحها. فهناك تحوّل إقليمي في سياسات العراق مع دول الجوار، وانفتاح عربي واسع على بغداد. إلى جانب عشرات الاتفاقيات والعقود الاستراتيجية التركية مع العراق ذات الطابع الاقتصادي الأمني والسياسي.

– الحقيقة الثانية: هي وجود تقارب عراقي إيراني في ملفّات، لكن يقابله أيضاً تباعد واضح بين البلدين في ملفّات سياسية واقتصادية أخرى. سيحاول الرئيس الإيراني قطع الطريق على المزيد من التدهور أو التراجع في العلاقات العراقية الإيرانية، فهل تمنحه دول الإقليم مثل هذه الفرصة؟

– الحقيقة الثالثة: تقول إنّ زيارة نجيرفان بارزاني لإيران في أيار المنصرم قد تساعد الرئيس الإيراني على طرح مسار جديد في العلاقات بين الطرفين، لكنّ عقبة السليمانية ووجود مجموعات “الحشد الشعبي” في المنطقة سيبقيان ماثلين كحجر عثرة في طريق التقارب. لا يقلّ أهمّية قرار التوجّه إلى إربيل والسليمانية للمرّة الأولى من قبل رئيس إيراني عن قرار الوجود في بغداد.

محاولة ترميم العلاقة المتدهورة مع إربيل مهمّة، لكن المهمّ إيرانياً أيضاً هو التقريب بين إربيل والسليمانية لإنجاح مخطّط إيران في التمدّد والتمركز في مثلّث الحدود العراقية السورية الإيرانية. فهل يسامح مسعود بارزاني مسعود بزشكيان على قصف إربيل في منتصف كانون الثاني الماضي بالمسيّرات والصواريخ تحت ذريعة استهداف “أوكار الصهيونية” التي تهدّد الأراضي الإيرانية والأمن القومي الإيراني من هناك؟ وهل يكفيه مخاطبة أكراد العراق بلغتهم الأمّ وأن يردّ عليه بارزاني بالفارسية لأخذ ما يريد؟ دفعت بغداد عام 1946 ثمن الصراع الأميركي الروسي في مهاباد. فهل يوحّد بزشكيان ابن المدينة الكردية في إيران أكراد العراق في إربيل والسليمانية لخدمة المشروع الإيراني الإقليمي؟

–  الحقيقة الرابعة: لا يمكن إغفالها وهي دخول الفضاء العراقي في أجواء إقليمية جديدة باتجاه تركيا والعديد من العواصم العربية على حساب حصّة إيران في العراق. وهو أحد الأسباب الإضافية التي تقلق طهران. هناك حراك عربي – تركي فاعل باتجاه إخراج العراق من وضعية الجلوس تحت رحمة التوازنات الإيرانية الأميركية، وهدف الضغوطات الإيرانية هنا هو قطع الطريق على سياسة السوداني العراقية الإقليمية الجديدة.

– الحقيقة الخامسة: تقول إنّ الرئيس بزشكيان يتمسّك بالبحث عن فرص جديدة لحماية مصالح إيران في العراق. وربّما يريد أن يكون ذلك من خلال الوساطات العراقية التي تخدم مصالح إيران الإقليمية، سواء على خطّ طهران – عمان أو على خطّ طهران – الرياض أو تحريك وساطة إيرانية بين إربيل والسليمانية باتجاه معكوس يقوّض النفوذ التركي في شمال العراق.

لكنّ بافل طالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لن يختار أن يبقى متفرّجاً على التقارب بين طهران وإربيل حيث يستعرض بزشكيان كرديّته وبارزاني فارسيّته. ولن يفرّط الرئيس الإيراني، الذي لم ينسَ زيارة ضريح الزعيم الكردي التاريخي جلال طالباني في السليمانية، بسنوات طويلة من التنسيق والتعاون بين الطرفين من خلال شراكة الميليشيات العراقية المحسوبة على إيران ومجموعات “قسد” و”مسد” في شرق الفرات.

– الحقيقة السادسة: بمفعول اقتصادي هذه المرّة، وهي الرغبة في تسريع تفعيل خطّ سكّة الحديد بين البصرة والشلامجة الذي يعتبر على الرغم من قصر مسافته (حوالي 32 كلم)، الخطّ الاستراتيجي الذي يقرّب تجارياً بين البلدين وينتظر الإنجاز بعد وضع رئيس الوزراء العراقي حجر الأساس في مطلع أيلول من العام المنصرم.

طهران والدور التجاري

تبحث طهران هنا عن دور شرق أوسطي تجاري يجعل منها شريكاً في الممرّات الإقليمية الجديدة انطلاقاً من خطّ ميناء الخميني في إيران إلى ميناء اللاذقية في سوريا، مروراً بالعراق عبر خطّ سكة حديد يربط الدول الثلاث بعضها ببعض. تحاول إنجاز هذا المشروع الاستراتيجي على الرغم من العرقلة الأميركية ولتعويض خسارتها في تجاهل حصصها بخطّ التنمية العراقي وخطّ زنغزور في جنوب القوقاز.

امتحان مشروع نقل النفط العراقي عبر إيران نتيجة قرار أنقرة إغلاق خطّ كركوك – جيهان منذ آذار العام المنصرم سيساعدنا على معرفة حجم التحوّلات وقدرة طهران على الاستفادة من التباعد التركي العراقي في ملفّ النفط وتجييره سياسياً واقتصادياً لمصلحتها.

تتطلّع واشنطن هذه المرّة وبعكس ما فعلته في عام 2009 إلى أن يسدّ التقارب والتنسيق التركيّان العربيّان الفراغ الذي سيتولّد لمصلحة إيران عند سحب قوّاتها من العراق. لكنّ طهران من ناحيتها تنتظر لحظة المغادرة الأميركية لتوحيد الخطوط والجبهات في الساحة العراقية عبر شركائها وحلفائها هناك. رسالة مسعود بزشكيان من إربيل والسليمانية بالكردية لغته الأمّ هدفها تحريك الورقة القومية بعد الورقة المذهبية في العراق.

من يقاوم الرغبات والأهداف الإيرانية في العراق ليس الداخل السياسي والعرقي واللغوي بقدر ما هو العامل الإقليمي الخارجي الذي بات يقرّب واشنطن من أنقرة ومن المنظومة العربية التي بدأت تستردّ نفوذها في العراق.

يحاول بزشكيان تمرير رسائل عديدة لأصحاب المصالح والنفوذ في شمال العراق، وهي أنّ طهران لن تفرّط هي الأخرى بمصالحها هناك. الشقّ المتعلّق باستهداف المسيّرة التركية في كركوك قبل أسابيع جزء من هذه الرسائل الإيرانية، والمعنيّ هنا هو أنقرة.

تباعد أنقرة والسليمانية جيّرته واشنطن لمصلحتها لسنوات طويلة. سعت إيران إلى الاستفادة من هذه الوضعية أيضاً. لكنّ وساطة إقليمية مؤثّرة بين أنقرة والسليمانية قد تعيد خلط الأوراق بين الطرفين، وربّما هذا ما ستسعى إليه واشنطن قبل سحب قوّاتها من العراق لمواجهة الحراك الإيراني. لم يعطِ رئيس الوزراء العراقي السوداني إيران ما تريده في أكثر من مكان، فهل هدف طهران الجديد هو إبعاده وبناء منظومة معادلات سياسية في العراق تطيح بمثل هذه السيناريوهات وبكلّ جهود أنقرة التي بذلتها في الأسابيع الأخيرة على خطّ التقارب مع بغداد؟ وهل ينجح رجل مهاباد في مناورات استرداد العراق سياسياً وعسكرياً بعد التحوّل الذي قاده رئيس الوزراء العراقي السوداني باتجاه أنقرة والعواصم العربية؟

نجحت طهران في الوصول إلى ما تريد في الموصل عبر لعب ورقة السليمانية والتجاهل الأميركي، فهل تواصل طهران توغّلها السياسي والأمنيّ والاقتصادي في العراق؟ أم تستطيع أنقرة بعد الاتفاقيات الأخيرة التي وقّعتها مع بغداد بدعم عربي مواجهة النفوذ والتمدّد الإيرانيَّين؟

هدف بزشكيان هو توحيد الملفّ الكردي بشقّيه السوري والعراقي بعد تحييد الجانب الإيراني ووضعه تحت إدارة طهران في مواجهة أنقرة. حراك الرئيس الإيراني على خطّ إربيل – السليمانية يذهب بهذا الاتّجاه.

د.سمير صالحة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.