إمتِيازُ العَراضَة … لنُوَّاب الإنتِفاضًة …
بقلم د. باسم عساف
يومٌ لا يُنسَى من ذاكِرة الشَّعب اللُّبنانيّ، ولا يُمحَى ̀من تاريخ لبنان الحديث، الذي كُتِب بمِداد الفقر والعَوز، وإمتلأت صفَحاتُه بالجوع والمَرض والجَهل، حتى إشتَدَّ الإحتِقان لينفَجِر في الشَّارع الُّلبناني، بحشودٍ عَفويةٍ قد ملأت السَّاحات، بمِئآت الألوف من عائلات الفئآت الشعبية، التي نزَلت بكافَّة أفرادِها شباباً وشيباً، أطفالاً ونساءً، ليعبِّروا عن مَكنونات أوجاعِهم، وعن مَخزونات أوضاعهِم المُزريَة، التي أوصَلتهُم إليها أيادي المنظومة السِّياسيَّة الفاسِدة، حتى طالت أموالَ المُساعدات والقروض لذوي الحاجَات الفقيرة ، فيسلِبوها لإغوَاء نزواتهِم في الشَّراهة الماليَّة، وصَرفها على فَراهَة حياتِهم الترفِيهية ، والنَّهب من مُودعات الكادِحين في المصارف اللبنانية، وتحويلِها لحِساباتِهم الخارجيَّة، وليتمَّ تكدِيسِها على حساب الوطن والمواطنين المَعيشيٌَة.
إنتفَض النَّاسُ لأنَّهم ليس بإستِطاعَتِهم تحمُّل الأعباء الماليَّة، والصِّعاب في الحياة اليومِيَّة، التي تطالُهم في المأكل والمَشرب، وفي الشُّؤون الصِّحيَّة والإستِشفائيٌَة والدوائيَّة، وحتى في التنقلات والسَّعي نحو المَصالح في المُعاملات والمُستنَدات، التي تعطَّلت بشكلٍ شبه كاملٍ، إضافةً إلى التعليم والمدارس، التي وصَلت إلى أدنى مستوىً من الخدمات التعليمية، والتي أضرَّت بسُمعةِ لبنانَ في الداخل والخارج، مع الكثير من الحاجات الضروريَّة التي باتت مفقودةً وهي بإمتلاك يَدِ المُحتكِرين، تضاف إليها الأزمة الماليَّة الحادَّة مع المَصارف ومع الصرَّافين، الذين إستبدُّوا بأسعار الصَّرف بين الليرة والدولار، فَكان لا بدَّ من الثورة على هؤلاء، والإنتِفاضة على ما وصَلت إليه البلاد.
كادت هذه الإنتِفاضة أن تصِل إلى غايَتِها في التغيير الحقيقي، لإزالة الرؤوس الفاسدة، وإلى إيجاد مَخرجٍ حقِيقيٍّ، بوضع نظامٍ جديدٍ يحقِّقُ آمال الشَّعب الُّلبناني الصَّابر على شَيطنة هَؤلاء في السُّلطة والمَال، وإذ بهذه الشَّيطنَة قد خطَّطَت للإلتِفاف على الثورة والثُّوار، بإغراءَآتٍ كثيرَةٍ دغدَغت نُفوس العدِيد من قادَة الإنتِفاضة، بحيث تبعثَرت الجُهود الموحَّدة، إلى المَصالِح الخاصَّة الشخصيَّة والفِئويَّة، وإستطاعَت المنظومَة أن تستخدِم كلَّ الأسالِيب في التَرهِيب والتَرغِيب، إذ سيطرت على السَّاحات، إمَّا بإستِخدام الأجهزة الأمنيَّة والعَسكرية أو بإستخدام الأتبَاع والأنصَار، للقيام بأعمال الكَسر والخَلع والحَرق، والتخريب بإسم الثورة، لتشويه صورتها الأولى، ولإنحراف مسَارها عن المَطالِب المُحِقَّة والعادِلة للشَّعب اللُّبناني ككُل، إلى مَطالِب فِئويةٍ أو حزبيَّةٍ أو مِزاجِيَّة، لأفكارٍ هدٌَامَةٍ قَد شَرذَمت النَّاشِطين، إلى فِئآتٍ وتجمٌُعاتٍ بَعيدةٍ عن مسَارِها الصَّحِيح، الذي خرَج عفويَّاً مع إنطلاقة الإنتفاضة الأولى.
لقد تحوَّلت السَّاحات والشَّوارع إلى مُواجَهاتٍ وإستِعراضَاتٍ وخِطاباتٍ ومَشاهِد مَسرحيَّةٍ، وفولِكلُورٍ يتقدَّم إليه كلٌُ من له مَوالٍ في الظُّهور وإبراز المَواهب الفَضفاضَة بالتمثِيل وجَذب الجَماهير، إلى أن تحضَّرت المَنظومَة السِّياسيَّة التي أعادت حَركتَهاالظٌَاهرَة، من بعد تخفٍّ وتلطٍّ خلفَ الجُدران، أو خلفَ الحُدود، لتَبرُز في الشَّوارع والسٌَاحات كردِّ
ِّ فِعلٍ على ما جَاءت به الإنتِفاضَة، وبعد إطمِئنانهِم إلى التَفرُّق والشَّرذمَة التي أصَابت قادَة مَن يدَّعي الثَّورة.
فكانَ الإستِحقاقُ الإنتِخابي النِّيابي قد لاحَت مَلامِحُه وقَرُب توقِيتُه حيث إستغلَّته المَنظومَة السِّياسيَّة أيَّمَا إستِغلال خاصَّة وأن قانُونَه المَسِخ الذي فُصِّل على قياسِهِم في التٌَكتُلات والمَناطِق وفي الكوتا والحِصَص المَذهبِيَّة والطائِقيٌَة بالصَّوت التَفضِيلي والحَاصِل الإنتِخابي للَّوائِح ممٌَا أتاح لهم العَودة والوصُول إلى مُبتَغاهُم للسٌَيطرَة على المَجلِس النِّيابي وبالتَّالي على مَواقِع القرار بالتشّريع والتنفِيذ بآنٍ واحِد.
لقد هلَّل وفَرِح من إنتفَض لنَيل حُقوقِه، بأنَّ عَدداً ممَّن نُسِب إليه وأحتُسِب على الإنتِفاضَة، بأن فازَ بالإنتِخابًات النِيابيَّة ووصل إلى النَدوَة البرلمانيَّة، رغم نِسبتِهم الضَّئيلة أمَام باقي الكٌتل الفِئويٌَة والمَذهبيَْة والحِزبيَّة، التي تفوق أعدادُها كل المَحسُوبين على الإنتفاضَة، سِيَّما وأنَّها تكتَّلت ضِدَّهم، في توزيع المَراكز واللِّجان، وفي أيِّ طرحٍ يُدلُون به، حتى إستطاعت المنظومَة السِّياسِيَّة، من شرذَمتِهِم وتفريِقِهم داخل أروِقَة المَجلس، حيث باتوا هُم كِتلاً مُتناحِرةُ وأفراداً متناثرةً، كلّْ مِنهُم يغَنِّي على ليلاه، وليلى في الشَّارعِ مريضَةٌ، وعاجِزةٌ، وجائِعةٌ وجاهِلةٌ، وتلعَنَ السٌَاعةَ التي إنطَلت عليها مسرحِيَّات التمثِيل الشَّعبي أو التمثِيل الفنِّي، الذي يظهَرُ بأمثَال هؤلاء، وهؤلاء، من المَنظومَة، أو مِمَّن إدَّعى تمثِيل الفِئآت المَظلومَة.
يتساءل المُخلِصون للبلد، والذين نُكِبوا من الحاكِمين الفاسِدين الذين أوصَلوهُم وأوصَلوا البلاد إلى أدنى مستوى من الحياة، وإلى أسوأ حالَةٍ من المعِيشة المُزرِية، وإلى أحطِّ مَنزِلةٍ دَولِيَّةٍ للبنان، الذي كانوا يتغَنُّون به، بأنه سويسرا الشَّرق وله كافَّة صِفات المَدائح، ليصِل مع سِياسَاتهم وإستغلالهم وتسلُّطِهم وسرقاتِهم، إلى آخِر جَدول البُلدان الأسوأ في العالم، فهل هذا هو التغيير؟.
وهل تحققت الآمال والوعود والعُهود، التي كانت في صُلب مَطالبهم وفي رؤياهم وأوراقهِم الإنتِخابيَّة؟.
أين هي شعارات الإنتِفاضة والثَّورة على الفَساد في التَّعاطي داخل المجلس، ومع التكتُّلات التي باتت حليفةً للعدِيد مٍنهم ؟؟؟؟..
هل أصبحت المناصِب والمَراكِز والعَراضات في المجلس، أو على وسائل الإعلام، والتَّباهي والتَّفاخُر بمواجَهاتٍ عليها، وإطلاق الشِّعاراتِ الفارِغة والفَضفاضَة، التي لا ترتَقي لمُستوى أنينَ ووجَع النَّاس، والقاعِدَة التي إنطلقُوا منها، عبر عرُوضَاتهِم في الخِيَم والمُلتقِيات بالسَّاحات والشَّوارع وأمَام جمهُور التغيير ؟؟؟؟..
هؤلاء الذين أصيبوا بالخَيبة مرَّاتٍ ومَرَّاتٍ، عبر عُهود التمثِيل الفنِّي والمَسرحِيّ، وليس الشعبي الحقيقي، وباتوا يردٌِدون بحَسرة : (يلِّلي إستَحوا ماتُوا )..
بعد فوزهِم مباشَرةً، تنادُوا للِّقاء والإجتِِماع حيث وجَدوا أنفسَهم بأنَّهم يُشكِّلون كُتلةً وازِنة من ثلاثةَ عشرَ نائباً، وأعتُبِرت من الكُتل الكُبرى في المجلس، ويُمكن لها أن تكونَ بيضَة المِيزان، في العمليَّات الحِسَابيَّة لمواقع القرار، ومَراكِز القِوى داخِله.
وإذ بدأت معَها الإنتِكاسَات من بدايَة تكوين هيكلِيَّة المجلس وتوزيع لِجانِه إلى المَواقِف المتناقضة مع الإنتخابات الرِّئآسِيٌَة الأولى والثانيَة والثالِثة وحماوَة التَّعاطي مَعَها، حيثٌ ذابَ الثَّلج وبَانَ المَرج، وهَزُلت مَقولة التَغيير، وحلَّ مَكانها التَّعيير، وأمعَن بهم التفرِيق والتنفِير، وبات كلٌ مِنهم يتفَنَّن بالعَراضَة، حتى باتَت من صِفَات نوابِ الإنتِفاضَة.
د. باسم عساف