حديث الجمعة – التبين والتثبت في القرآن الكريم

17

بقلم المهندس بسام برغوت

اكرم الله الانسان بالعقل ليكون دليل الانسان الى المعارف خيرها وشرها، ولذلك ائتمن الله الانسان على خلافته في الدنيا كما ورد في القران الكريم: “وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا“ (سورة النساء) وبالوقت حمله المسؤولية، وقد قال تعالى في محكَم التنزيل: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” (سورة الإسراء).

ان للكلمة خطرها وأثرها على الفرد والمجتمع، فكَم من كلمة صنعت مجدًا أو دعت إلى الخير أو أصلحت بين طرفي نزاع… وكم من كلمة أثارت عداوات وأشعلت صراعات وضغائن يقول تبارك وتعالى: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ“ (سورة الحجرات)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “وإنّ العبدَ ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يُلقِي لها بالًا، يهوي بها في جهنم“، ولذلك لا بد من التبيّن والتثبّت من صحة الأخبار قبل تناقلها، وخاصّة إذا تعلّق الأمر بالخصوصيات الفردية او بالمقدسات العامة.

وعلماء النفس اليوم يؤكِّدون حقيقةً مفادها أن الإنسان بطبعه ميال نحو الأخبار وغرائبها، فيصدِّق لأول وهلة ما يتلقاه، ولا يتريث حتى يتأكد منها، وفي ذلك جاء التحذير الرباني: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ“ (سورة الحجرات).

وقد قال الإمام النووي: “إذا استوت المصلحة في الكلام أو السكوت، فالسكوت أَوْلَى”، ورحم اللهُ أئمةَ الزهد في أُمّتنا الذين أعطونا دروسًا نظرية وعملية في وجوب حبس اللسان عن الكلام إلا للضرورة، وجزى اللهُ خيرًا رجالَ الحديثِ الشريف الذين سَنُّوا قانونًا فريدًا في التعامل مع الأخبار الواردة عن سيّد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، والحقّ أنه لا غرابة في ذلك؛ فمنهج القرآن الكريم قائم على تلك الحقيقة في شتى مجالات الدين والدنيا.

والتبين اهم ما يكون في العبادات، من ذلك مثلاً:

الطهارة: التبيّن من طهارة ماء الوضوء والغُسل ومكان اقامة الصلاة.

الصلاة: التبيّن من الوقت، قال تعالى: “أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا“ (سورة الإسراء)، وقال: “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” (سورة النساء).

وفى مجال الصوم: لا بد من التثبّت من هلال رمضان، فقال تعالى: “فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ“ (سورة البقرة)، وقال صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته“، ولقوله تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ“ (سورة البقرة).

وفي مجال الزكاة: ينبغي التثبّت من الزكاة، ومن نسبة الزكاة على الفائض من المدخرات، وكذلك التثبت بانها قد صرفت الى مستحقيها.

ولما كان الأصل في الإسلام السّلْم وحقن الدماء وتحريم الظلم، عاتب اللهُ عز وجل وعاتب رسولُه عليه السلام أسامةَ بن زيد حينما قَتل عدوَّه بمجرد الظنّ في صِدق ادِّعائه الإسلام، فقد قال تعالى فيه خاصّة وفي غيره عامة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا“ (سورة النساء)، فلما قُرِئت هذه الآية الكريمة على أسامة، حلَف لا يقتل رجلًا يقول (لا إله إلا الله).

ختاماً، إنّ التثـبُّت والتبيُّن من القيم الأخلاقية التي عُني بها كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبهذا المنهج الكريم تمسك الصحابة والتابعون أجمعين، حيث أقاموا حضارة يشهد العالم كله بعظمتها.

المهندس بسام برغوت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.