منصوري: ما زلنا نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية وإرساء حالة من الاستقرار

14

شدد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري على أن “مصرف لبنان يعمل على إرساء حالة من الاستقرار في انتظار حلول كبرى تتطلب إجراءات من القوى السياسية”، مؤكداً “ما زلنا نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية”.

مواقف منصوري جاءت في كلمة ألقاها خلال “الملتقى السنوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: تداعيات الاقتصاد النقدي على النظام المصرفي”، وهنا نصّها: “اصحاب المعالي والسعادة، ايها الحضور الكريم، بداية، أود أن أعبر عن تقديري العميق لجهود ومثابرة اتحاد المصارف العربية، ممثلة بشخص الأمين العام الأستاذ وسام فتوح، على تنظيم هذا الملتقى الهام في بيروت، رغم الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي نواجهها حاليا في لبنان والمنطقة، وفي خضم التوترات الأمنية والجيوسياسية غير المسبوقة.

إن استمرار انعقاد هذا الملتقى في بيروت يعكس التزام الاتحاد الراسخ بدعم القطاع المصرفي في لبنان وتعزيز التعاون بين المصارف العربية في مواجهة القضايا المصيرية التي تمس أمننا الاقتصادي، وعلى رأسها مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

يشكّل موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب أولوية بالنسبة للبنان الذي قطع شوطاً طويلاً في هذاالمجال. والجدير ذكره أن لبنان تخطى صعوبات جمة، لعل أهمها إدراجه في العام 2000 من قبل مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال على قائمة الدول غير المتعاونة، وذلك بسبب وجود قانون السرية المصرفية الذي يعيق عمل التحقيقات الدولية وعدم وجود آنذاك، قانون مستقل لمكافحة تبييض الأموال.

وقد دأب لبنان منذ ذلك الوقت على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، ابتداء من إقرار قانون لمكافحة تبييض الأموال يستند الى توصيات مجموعة العمل المالي، مروراً بوضع إطار تنظيمي متكامل، وإنشاء هيئة تحقيق خاصة تعنى بمكافحة تبييض الأموال، وصولاً إلى التعاون والتنسيق لتحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار على مختلف الأجهزة الأمنية والقضائية المعنية، كل بحسب صلاحياته.

في العام 2002 تم حذف اسم لبنان من قائمة الدول غير المتعاونة، ليبدأ بحصد التنويهات في المحافل الدولية.

في العام 2015، أقر مجلس النواب اللبناني عدداً من القوانين، منها قانون الإنضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، وتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقانون التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، وقانون تبادل المعلومات الضريبية، الأمر الذي كان له وقع إيجابي لدى المنظمات الدولية بما يتعلق بسمعة لبنان وقطاعه المالي والمصرفي، لا سيما وضعية امتثاله بالمعايير الدولية.

كذلك صدر قانون مكافحة الفساد في القطاع العام في العام 2020، وأنشئت بموجبه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رسمياً. وأقر مجلس النواب في العام 2021 القانون الخاص باستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد. ومن جهته، عمد مصرف لبنان الى اصدار التعاميم اللازمة تباعاً لمواكبة هذه التشريعات وتحصين المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية. لكن السنوات الماضية كانت حافلة بالصعوبات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والأمنية الناتجة عن الأزمة المتعددة الأوجه التي ألمت بلبنان والتأخير في تنفيذ الاصلاحات المنشودة. أضف الى ذلك تدهور الأوضاع الجيوسياسية مؤخرا من جراء الحرب المستمرة على غزة وجنوب لبنان وتداعياتها الملموسة
على الوضع الاقتصادي في البلد.

فمنذ بداية الأزمة لغاية اليوم، شهد الاقتصاد انكماشاً حادًا حيث انخفض الناتج المحلي من حوالي ٥٥ مليار دولار سنويا الى أدنى من 20 مليار، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، فيما بلغ متوسط التضخم 221.3 % في العام 2023. أما الموازنة، فانخفضت من 17 مليار دولار الى 3.2 مليار.

لذلك، أصدر مصرف لبنان التعميم 165 الذي أتاح فتح حسابات جديدة بالأموال النقدية بالدولار والليرة اللبنانية لاستعمالها لتسوية التحاويل المصرفية الإلكتروية الخاصة بالأموال النقدية (fresh) وتسوية مقاصة الشيكات التي يتم تداولها أيضاً بالأموال النقدية، مما يحد من محاولات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ويحجم الاقتصاد النقدي.
كما يعمل مصرف لبنان ومنذ فترة على تطبيق إجراءات لتعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية بهدف تقليل الاعتماد على النقد في السوق اللبناني. تتماشى هذه المبادرات مع المعايير الدولية، لا سيما تلك التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

لقد أدخل مصرف لبنان مؤخرا تعديلات هامة على نظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتركز هذه التعديلات بشكل رئيسي على: تعزيز إجراءات البنوك لمكافحة الفساد والرشوة من خلال إلزامها بإنشاء مصلحتين ضمن وحدة التحقق، الأولى تشرف على المركز الرئيسي وفروع المصرف للتأكد من التزامها بإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والثانية تعنى بـ مكافحة جرائم الفساد والرشوة من خلال تنفيذ إجراءات العناية الواجبة المعززة للعملاء المعرضين لمخاطر مرتفعة في الفساد والرشوة – تقديم تدريبات للموظفين لتحديد الأنشطة المشبوهة المتعلقة بالفساد والرشوة والإبلاغ عنها – تطوير سياسات وإجراءات شاملة لمنع واكتشاف الفساد والرشوة – إجراء تقييمات دورية للمخاطر لتحديد وتخفيف مخاطر الفساد – إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة عن أي حالات اشتباه في الفساد أو الرشوة.

إضافة الى هذه الاجراءات، يقوم مصرف لبنان بالتعاون مع هيئة التحقيق الخاصة بإجراء سلسلة من اللقاءات مع القطاعات التي تشكل خط الدفاع الأمامي في مواجهة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وفي هذا المجال أطلقنا في شباط وآذار من هذا العام دورتين للامتثال القانوني والتنظيمي، الأولى لمؤسسات الصرافة والثانية نقابة الصاغة والجوهرجية في لبنان.

إن مصرف لبنان، ومن خلال الصلاحيات المعطاة له بموجب قانون النقد والتسليف، يعمل على إرساء حالة من الاستقرار بانتظار الحلول الكبرى التي تتطلب قرارات جريئة وواضحة من السلطات السياسية التي يعود اليها فرض حلول تتناسب مع عمق الأزمة التي تعيشها البلاد.

ونتيجة السياسات الجديدة التي اعتمدها مصرف لبنان مؤخراً، انخفضت الكتلة النقدية بأكثر من 25 % منذ بداية العام 2023، لتصل إلى 59 ترليون ليرة حالياً منتصف آب (2024). أما الاحتياطات الأجنبية للمصرف المركزي، فسجلت فائضاً فاق المليار و 800 مليون دولار منذ آب 2023 ، لتصبح 10,388 مليار دولار مقابل كتلة نقدية دون الـ 700 مليون دولار.

إن قرارت مصرف لبنان حول وقف تمويل الدولة وعدم التدخل في سوق القطع وايقاف العمل بمنصة صيرفة كان من نتائجها توقف النزف وتحسن الجباية كما استقرار في مالية الدولة. لقد ساهمنا في تصحيح وتنظيم مالية الدولة بالكامل حيث أصبح بإمكان الدولة معرفة كيفية الصرف وقدرتها على الصرف من حساباتها الموجودة لدى مصرف لبنان، وقد لمسنا للمرة الأولى قدرة الدولة على ايجاد الحلول للمشاكل التي تواجهها بشكل طارئ كما حصل مؤخرا، من دون اللجوء الى الاستدانة من مصرف لبنان كما كانت العادة في السابق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.