الكويت والعراق.. معالجة باردة للملفّات السّاخنة
نايف سالم – الكويت
«أساس ميديا»
كثيرة هي الملفّات العالقة بين الكويت والعراق، من ترسيم الحدود البحرية مروراً بإفرازات الرواسب التاريخية وصولاً إلى “إسقاط” الاتفاقيات الثنائية. لكن يبدو أنّ كوّةً فتحت في الجدار من بوّابة مصلحة البلدين في طيّ الماضي والبناء على المصالح المشتركة للمضيّ نحو المستقبل.
بطريقة باردة وبعيدة عن ضجيج الإعلام، تجري في الأروقة معالجة هادئة للعديد من الملفّات، أوّلها وأبرزها اتفاقية خور عبدالله وترسيم الحدود البحرية إلى ما بعد العلامة 162.
في 22 تموز الحالي، حطّ النائب الأول لرئيس وزراء الكويت وزير الداخلية وزير الدفاع فهد يوسف الصباح في بغداد.
هدف الزيارة المُعلن هو المشاركة في مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدّرات، إلى جانب وزراء الداخلية في السعودية والأردن وسورية ولبنان ومصر وتركيا وإيران والعراق.
على أهمّية المؤتمر الهادف إلى محاصرة تجّار السموم وأنشطتهم العابرة للحدود، إلا أنّ اللقاءات التي أجراها الوزير الكويتي كانت على قدر أعلى من الأهمية. إذ جرى بحثٌ مُعمّق في كيفية إعادة تفعيل اللجان المشتركة للولوج إلى نقاش جدّي في شأن مصير اتفاقية خور عبدالله، التي صدر حكم من المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في أيلول 2023، بعدم دستوريّتها. على الرغم من أنّها مبرمة في 2013، ومُصادق عليها في 2014 من قبل البرلمان العراقي.
هذه المصادقة اعتبرتها المحكمة غير صحيحة، على اعتبار أنّ التصويت كان بالأغلبية البسيطة وليس بثلثي أعضاء مجلس النواب. (راجع مقال “أساس” المنشور بتاريخ 7 أيلول 2023 بعنوان “العراق والكويت: الطبل في خور عبدالله والعرس في الدرّة“).
اللقاءات في بغداد
عقد الوزير الكويتي لقاءات في بغداد مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس “تيار الحكمة” عبد العزيز الحكيم، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بصفته رئيساً لـ”ائتلاف دولة القانون”.
على الرغم من الكلام السياسي – الدبلوماسي الذي ورد في البيانات الرسمية، فإنّ جملة استرعت انتباه المراقبين وردت في بيان لقاء اليوسف – الأعرجي، وهي الاتفاق على “أهمية استمرار التعاون بين الكويت والعراق في إطار المعاهدات الدولية والاتفاقيات الثنائية الموقّعة بين الجانبين”.
قرأ المراقبون في ذلك خطوة من العراق إلى الوراء. وهو ما يوحي بإمكانية إحياء اتفاقية خور عبدالله، التي تعتبر اتفاقية دولية حدودية بين البلدين. وتهدف إلى تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله الواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكلّ من جزيرتَيْ بوبيان ووربة الكويتيّتَيْن.
في اللقاء بين الوزير الكويتي ورئيس الوزراء العراقي، جرت مناقشة “بناء شراكات اقتصادية مثمرة تسهم في تحقيق المصالح المتبادلة وتعزّز أمن البلدين وتدعم الاستقرار في المنطقة”.
كما تمّ الاتفاق على “ضرورة مواصلة عقد الحوارات واجتماعات اللجان العراقية – الكويتية التي تنظر في عدد من القضايا والملفّات ذات المصلحة المشتركة”.
اللّقاءات في الكويت
بدا جليّاً من الحفاوة التي استُقبل بها الوزير الكويتي أنّ بغداد تبحث عن تهدئة الأجواء وتبريد الأزمة، خاصة بعد الحملة الكبيرة التي قامت بها الكويت دولياً وإقليمياً في الأسابيع التي تلت إلغاء القضاء العراقي اتفاقية خور عبدالله، الذي تبعه أيضاً إلغاء اتفاق أمنيّ ثنائي من قبل بغداد.
جاءت زيارة فهد يوسف الصباح لبغداد بعد زيارة قام بها وزير الداخلية العراقي الفريق الركن عبد الأمير الشمّري للكويت، في 8 تموز الحالي، قوبلت أيضاً بحفاوة مماثلة. حيث استقبله الأمير الشيخ مشعل الأحمد، ووليّ العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح ورئيس الوزراء الشيخ أحمد عبدالله الصباح. كما أجرى محادثات مع نظيره الكويتي تناولت “سبل تعزيز العلاقات الأمنيّة وتوسيع آفاق التعاون والتنسيق الأمنيّ بين البلدين، وتبادل المعلومات لتعزيز التعاون الأمني، بما يشدّد القبضة الأمنيّة في التصدّي لكلّ أنواع التهريب والتسلّل عبر المنافذ الحدودية المشتركة بين البلدين”.
كانت لافتة استضافة الوزير العراقي في العديد من الدواوين البارزة في الكويت، بحضور شخصيات وازنة وسفراء دول عدّة في المنطقة.
النوايا لا تكفي
لأنّ التجارب مريرة في البلدين، فإنّ الحكومتين تعملان حالياً على صياغة اتفاقيات جديدة وإحياء اتفاقيات قديمة، لكن من غير الواضح كيف ستتخطّى بغداد قرار المحكمة الاتحادية العليا وتعيد العمل باتفاقية خور عبدالله، لأنّ النوايا لا تكفي لوحدها والكلام المعسول لن يلقى آذاناً صاغية في الكويت هذه المرّة من دون خطوات عمليّة.
تقول مصادر واسعة الاطّلاع لـ”أساس” إنّ المباحثات الجارية تركّز على إحياء عمل اللجان المشتركة المجمّدة منذ سنوات، وتشير إلى أنّ القرار السياسي اتُّخذ بالبحث عن مخارج مُرضية للجانبين، لكنّ الآليّة والمآلات ما زالتا غير واضحتين، خصوصاً أنّ الكويت ترى مؤشّراً سلبياً في التراجع عن اتفاقات سبق أن وُقّعت وصُودق عليها في البلدين، وهي تريد ضمانات بتنفيذ ما يتمّ الاتّفاق عليه وعدم الرجوع عنه لاحقاً.
للعراق مصلحة أكيدة في توسيع التعاون الاقتصادي، وللكويت مصلحة ثابتة في إنهاء الملفّات العالقة، خصوصاً ملفّ الحدود البحرية الذي توقّف عند العلامة 162، في حين أنّه لا بدّ من استكماله لضمان استثمار الموارد الضخمة الموجودة في البحر، والتي ظهر أخيراً أنّه لا يُستهان بها، مع الاكتشاف الضخم الذي أعلنت عنه الكويت منتصف تموز الجاري في حقل “النوخذة” الواقع داخل المياه الإقليمية الكويتية على مقربة من الحدود البحرية مع العراق، وتُقدّر إجمالي الموارد الهيدروكربونية الموجودة فيه بنحو 3.2 مليارات برميل نفط مكافئ (نفط وغاز)، أي ما يعادل إنتاج الكويت بأكملها لمدّة 3 سنوات.
من شأن “الاكتشاف الضخم” أن يفتح “مجالاً واسعاً في الجرف الكويتي القارّي”، وفق ما أعلنت مؤسّسة البترول الكويتية، مؤكّدة أنّ “مشروع الاستكشاف البحري الحالي يضع دولة الكويت على خريطة المنتجين الإقليميين الرائدين كمشغّل بحري بارز وفق المعايير الدولية، ويسهم في تطوير مهارات فنّية جديدة بمجالات الحفر والإنتاج البحريّ”.
نايف سالم – الكويت